شعراء للإيجار

ثقافة شعبية 2023/03/09
...

كاظم غيلان 



تخبرنا التجارب الشعرية بأسرار تكوناتها، سواء بما أنجزه شعراؤها أو ما جاء في سيرة كل منهم، بعضها ارتبط بقصة حب تناقلتها الأجيال كما في تجربة قيس وليلى، وكذلك قصة ديك الجن الحمصي وعشيقته ورد... الخ، تجارب أخرى ارتبطت بمتغيرات تاريخية كبرى كانتفاضات وثورات، ولعل ما جاء في سيرة وذكريات شاعرنا الجواهري الكثير منها، للكوارث والأوبئة والأمراض التي تفتك بالشعوب أيضاً حصة في هذا كما في قصيدة (الكوليرا) التي كانت ولادة حداثة الشعر العربي على يد شاعرتنا نازك الملائكة التي كانت ضمن رموز تلك الحداثة.

أما ما حصل في وباء كورونا فلم تنتشر أعمال إبداعية كبيرة على مستوى الشعر للحظة هذه، وأعتذر إن كنت غافلاً عنها، لربما الوباء لن يعلن عن نهايته من قبل منظمة الصحة العالمية، لكنني شخصياً شهدت حادثة تنتمي للشعر، إثر وفاة شاب من معارفي في أحد أرياف ميسان وحضرت مراسيم فاتحته بحذر طبعاً، مرتدياً الكمامة كما حال بقية من حضروا، فجيء بـ (مهوال) راح يصرخ بأبيات من الشعر (هوسات) رفعت من شأن الفقيد الشاب إلى مصاف الرسل والأنبياء، فقد كان فارس الفرسان وقمر الأقمار و......الخ من مبالغات، وطبعاً كدنا نلقى حتفنا جميعاً حين قام أحد صبيان العشيرة برشقة رصاص تجاه أحد أعمدة الكهرباء من الضغط العالي لولا مشيئة الله تعالى، ودفعني الفضول والتذمر لأن استفسر بعصبية من أحد أولاد عمومتي عمن جلب هذا (المهوال) فأجابني هامساً: (بفلوس جبنا موبلاش ربع مليون عداً ونقداً)!.

هذا يعني أن هذا المهوال تم استئجاره ليشعل حماس المعزين ويلهب الرصاص، بينما الحاضرون يستعرضون فروسيتهم بـ (البيارغ والتفك) وهكذا نعود لعصر شاعر القبيلة.

مثل هذا المهوال الذي يشترى أو يُستأجر، هناك حكومات تشتري شعراء وروائيين وإعلاميين، وسينمائيين ومسرحيين، وملحنين ومغنين وبـ (فلوسها) طبعاً، تشتري ذمماً وضمائر حتى في قمعها للإنسان وسوقه لحروب طاحنة يجهل حتى أسبابها. 

مثل هذا (المهوال) تغدق مؤسسات عريقة أموالاً طائلة وبدون(وجع قلب) لغسيل أدمغة البشر، وتخريب ذائقتهم، وتزوير تاريخ شعوب ابتلت بحكومات العسكر، والعائلة والقبيلة. فليس هذا (المهوال) إلا واحداً من (جيوش) تباع وتشترى لإرضاء شهوة (الحاكمين البغايا) . 

هذا (المهوال) وسائر المستأجرين وحدهم ينطبق عليهم ذلك المثل الشعبي السائد: (الحمار يموت بكروته).. نعم فقد استأجروه بالمال عداً ونقداً.