البحثُ عن النوع الدرامي المَفقود

منصة 2023/03/09
...

  رضا المحمداوي

مع بداية العام الجديد 2023 بدأ العد التنازلي لانطلاق ماراثون السباق الدرامي للقنوات العراقيَّة التي عرفت بإنتاجها الدرامي مع ملاحظة اشتداد المنافسة بينها من أجل إيصال خطابها ومضمونها إلى جمهورها الواسع ونيل قبوله ورضاه، ومن ثمَّ الحصول على أكبر نسبة مشاهدة وتفاعل جماهيري وهو الهدف الرئيس الذي تسعى إليه جميع القنوات الفضائيَّة في مسعاها الإعلامي الحثيث بما يكلفها ذلك ويستنزف منها النفقات الماليَّة الكبيرة المستمرة على مدار الساعة واليوم والشهر والسنة، فضلا عن جهود أعداد غفيرة من الفنيين والفنانين والإعلاميين.

ورغم أنَّ نسبة إنجاز الأعمال الدراميَّة من قبل القنوات الفضائيَّة قد شهدتْ ارتفاعاً وزيادة ملحوظة في أعدادها مع تنوع وتعدد في الأنواع الدراميَّة المُنجزة إلّا أنَّ البحث عن الدراما المتميّزة أو التي يمكن أنْ تؤسس لنمطٍ متطورٍ وناضجٍ يبقى هو الهاجس الأكبر لدى الجمهور العام ولدى المتخصصين وأصحاب الشأن، وكذلك في الصحافة الفنيَّة وما يطرحهُ بعض  نقاد الدراما رغم ندرة حضورهم في الوسط الدرامي.

وحتى فرضية (الكم) المتراكم الذي يقود إلى (النوع) المتميز والتي روَّجَ لها البعض من العاملين في الوسط الدرامي أو بعض المتابعين والمراقبين للمشهد الدرامي العراقي قد فشلتْ لدينا ولمْ تحققْ هدفها الفني، ففي حين تتزايد أعداد الأعمال الدراميَّة المنجزة يبقى النوع الفني المتميز مفقوداً.

الجانب الآخر من أزمة الدراما العراقيَّة يتمثّل لنا في أنَّ تعدد القنوات الفضائيَّة وكثرة الأعمال الدراميَّة المنجزة لمْ يخلقْ لنا سوقاً أو بورصة درامية عراقية لبيع وشراء وتداول الأعمال الدرامية التي تنتج موسمياً في رمضان من كل عام، كما هو معمول به إنتاجياً وتسويقياً مع الدراما المصرية والسورية والخليجية.

وحتى نسبة النجاح الفني أو الجماهيري وانتشاره شعبيّاً، أو توفر شروط ومستلزمات الجودة الدرامية، أو الحصول على درجات النضج الفني، أو أهمية وخطورة الموضوع المطروح في النص، أو القدرة الإخراجيّة والإمكانيات الفنيّة وغيرها من المعايير والأسس، لمْ تخضعْ لدينا لمنطق السوق أو البورصة الدرامية والتي من خلالها يتم تحديد أسعار البيع والشراء للبضاعة الدرامية المعروضة أو المتداولة، وهو ما سينعكس بشكل كبير في وقت لاحق على أجور النجوم والممثلين والمؤلفين والمخرجين والفنيين. والسبب الرئيس الذي حالَ من دون إنشاء أو تأسيس تلك السوق أو البورصة يرجع إلى أن القنوات التلفزيونية العراقية المنتجة للأعمال الدرامية رغم قلة عددها بقيتْ تعمل ضمن أسلوب الدائرة المغلقة على نفسها، فهي التي تنتج العمل الدرامي وتعرضهُ مجاناً على شاشتها وتضعهُ على منصة الـ (يوتيوب) وتروَّجُ له في موقع الـ (فيسبوك) من دون مقابل مادي، وليس هنالك من قناة أخرى تفكّر بشراء أي عمل درامي أنتجتْهُ قناة أخرى، حيث أنَّ أغلب القنوات الفضائية الأخرى تكتفي بدور المتفرج الجالس على التل من دون التفكير بالنزول الى ساحة الإنتاج والمنافسة أو حتى المشاركة من خلال شراء نسخة من تلك الأعمال وعرضها على شاشتها.

هذه القطيعة والعزلة جعلتْ القنوات الفضائيَّة العراقيَّة تبدو وكأنَّها تعيش في جزر معزولة، ولمْ يتحوَّل العمل الدرامي لديها إلى سلعة أو بضاعة مرغوبة أو متداولة بين تلك القنوات، فكثرة القنوات الفضائيَّة المتزايدة وامتداد ساعت البث الطويلة لمْ يحفزْها أو يشجعْها على عمليات البيع والشراء أو التبادل أو حتى المقايضة لتلك البضاعة الدرامية المطلوبة.

ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى السياسة الإعلاميَّة الحاكمة للقنوات واختلافها اختلافاً جوهريَّاً من حيث المبادئ والمنطلقات، وكذلك في تباين التوجّهات العامة والخطاب الإعلامي للجهة المالكة وصاحبة رأس المال الإعلامي والمؤسسة لكل قناة على حدة، ولا يخفى في هذا الجانب الثقل السياسي وما يفرزُهُ المعترك السياسي العراقي الساخن من تداعيات تترك آثارها واضحةً على القناة الفضائيَّة وسياستها العامة وخطابها الإعلامي المتلفز. أمّا إذا انتقلنا من السوق أو البورصة العراقية للدراما إلى موضوع (التسويق الخارجي) للأعمال الدرامية العراقية فسنكون عندها قد دخلنا في موضوع شائك ومُعقّد، ولا أحسبُ أنَّ نافذةً يمكن فتحها في المستقبل القريب لغرض تسويق العمل الدرامي العراقي في الأسواق العربية  وخاصة الدول الخليجية على سبيل المثال أو بعض الدول المجاورة الأخرى.. فأسباب العطش كثيرة!!.

والخلاصة الأخيرة أننا قد نحلم بدخول الدراما العراقية في البورصة العربية للدراما لكن تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع يبقى صعب المنال، وذلك نتيجةً المنافسة والسيطرة الدرامية النوعية الطاغية للدراما المصرية والسورية والخليجية ومعها المنافسة الإقليمية للدراما الإيرانيّة الدينيّة والتاريخيّة، ومعها المسلسللات التركيّة العاطفيّة والاجتماعيّة بطابعها السياحي.

وربما جاء تأسيس قناة (-m.b.c عراق) قبل سنوات قليلة ضمن الشبكة الفضائية السعودية المعروفة ومن ثم قيامها بإنتاج الأعمال الدرامية العراقية، ليفتح باباً صغيراً أو نافذةً لتسويق الدراما العراقية سواء في منطقة الخليج العربي أو غيرها من الدول، لكن التجربة في هذا الصدد غير واضحة الملامح وتحتاج إلى المزيد من الوقت لغرض التعرف على حيثيات هذه التجربة في مثلث الإنتاج والعرض والتسويق. والسؤال الأخير في هذا الجانب: هل وضعتْ قناة (m.b.c-عراق) وشبكتها التلفزيونية بأذرعها المتعددة في خططها وطموحها أن تدفع بالعمل الدرامي العراقي وخصوصاً العمل الذي تنتجهُ في قناتها بفرعها العراقي، كي يكون حاضراً أو معروضاً في بورصة الدراما العربيَّة؟