المنافع الاجتماعيَّة تُنقذ سكان مناطق الإنتاج النفطي من الفقر

اقتصادية 2023/03/09
...

 بغداد : حسين ثغب


جملة من التحديات المزمنة عاشتها "أم ساهر" التي امتهنت الخياطة منذ ثلاثة عقود وتحمّلت آلام الفقر المدقع عقوداً من الزمن، غير أنَّ حياتها شهدت تحولاً واضحاً، لتتغلب على متاعب الحياة، وأصبحت مركز إنتاج لها صداها في قرية صفر بناحية بدرة حيث تسكن. 

وبعد أن كانت تنتج قطعتين يومياً ارتفع العدد وبات يتراوح بين 15 - 20 قطعة، وبات ضمن خططها توسع قاعدتها الإنتاجية بزيادة عدد المكائن وتشغيل نساء من أهل المنطقة، هذا بفضل التحول من الخياطة التقليدية إلى اعتماد الماكنة الحديثة التي تعمل على الكهرباء.

جولات التراخيص

هذا التحوّل جاء بعد أن وفرت الشركة الاستثمارية العاملة في حقل الأحدب الكهرباء إلى الناحية والمناطق ضمن المنطقة، منطلقة من تخصيصات "المنافع الاجتماعية للشركات في مناطق الإنتاج" والتي أقرت في عقود جولات التراخيص.

بدأت المطالبات عبر أصوات تعالت من المؤسسات المعنية بالشأن النفطي أول الأمر ومنها "التحالف العراقي للشفافية في الصناعات الاستخراجية" إلى أن توسعت بعد أن ثقفت المجتمعات المحلية في مناطق الإنتاج النفطي وعلمت بوجود حقوق تتضمنها العقود النفطية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني التي تطالب بحصول المجتمعات المحلية على حقوقها كاملة.

ونقل "التحالف العراقي للشفافية في الصناعات الاستخراجية" معاناة آلاف الأسر في مختلف مناطق الإنتاج إلى الجهات المعنية، وصولاً إلى إدارات الشركات، حيث جاءت النتائج طيبة وأقرت الشركات بهذه الحقوق إلى جانب مساندة وزارة النفط لهذه التوجهات التي ضمنت حقوق آلاف العائلات، على أمل أن تحصل مناطق الإنتاج النفطي على كامل الحقوق من هذه المنافع.

حقوق المجتمعات النفطية

ويقول علاء محيي الدين مسؤول مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية: "شعرنا بوجود ظلم تجاه مناطق الإنتاج النفطي، وهنا تحتم علينا مسؤولياتنا أن يكون للتحالف دور عبر اللقاءات المباشرة وباعتماد مختلف أدوات التواصل، التي لها دور كبير في حصول المجتمعات المحلية على حقوقها من هذه المنافع، وفعلاً بات أداة الوعي لهذه المجتمعات ونبههم إلى وجود حقوق لهم يجب الحصول عليها". 

وأضاف أنَّ "تخصيصات المنافع الاجتماعية في مناطق الانتاج النفطي بدأت تظهر نتائجها إلى العلن، غير أنها يجب أن تلامس الهدف السامي من وجود هذه المنافع، والذي يتمثل بنقل المستوى المعاشي للعائلات إلى مستويات أفضل للجميع، رغم أنَّ أغلب سكان هذه المناطق قارب خط الفقر الذي كانت تعيشه إبان الإهمال وانعدام الإنتاج من هذه المناطق التي تعيش على بحيرات من النعم المتمثلة بالنفط الخام". 


ناحية الأحرار 

وصف أحمد عماد الربيعي مزارع 53 عاماً يسكن ناحية الأحرار الحصول على تيار كهربائي متواصل بالإنقاذ له ولأهل المنطقة من المزارعين الذين باتوا يستثمرون ‎%‎100 من أرضهم بعد أن كان يستثمر أغلبهم ‎%‎25 منها.

ويملك الربيعي 40 دونم أرض يستثمر 10 دونمات منها بالاعتماد على مضخات الديزل التي تلامس تكاليف وقودها قرابة مليون و750 ألف دينار وهذا يرفع من تكاليف الإنتاج لما ننتجه من محاصيل ستراتيجية منها أثناء الموسم الشتوي أو محاصيل الخضار التي تزرع في موسم الصيف.

وعملت شركة الواحة الصينية المستثمرة في حقل الأحدب على توفير الكهرباء لبعض المناطق ضمن الرقعة الجغرافية للحقل. 

وأوضح الربيعي "أسكن ضمن هذه المناطق، الامر الذي جعلنا ننتقل أول الأمر من مضخات الماء التي تعتمد على وقود الكاز اويل المكلف مالياً إلى المضخات التي تعمل بالاعتماد على التيار الكهربائي الأقل تكلفة، وهنأ حدثت الانتقالة الحقيقية، حيث ارتفعت معدلات الإنتاج، بسبب استثمار جميع المساحة الزراعية التي تقدر بـ 40 دونماً (كل دونم 2500 متر مربع)".

ويضيف أنَّ "وفرة المياه جعلتنا ننظم أوقات الري وفق متطلبات النبات وهذا رفع إنتاج الوحدة الزراعية إلى معدلات لامست الإنتاج العالمي في بعض المحاصيل".

منعطف إيجابي

ذهبنا باتجاه منطقة الحلفاية في محافظة ميسان حيث حقل الحلفاية النفطي الذي فازت باستثماره شركة بتروجاينا، وهنا حدثنا زاير الطليباوي 46 عاماً وقال: إنَّ "توظيف اهالي مناطق الإنتاج النفطي حقق منعطفاً إيجابياً كبيراً في حياة أهالي المنطقة، حيث ارتفعت المستويات المعاشية لكثير من العائلات وهذا الأمر حقق مكاسب اقتصادية، وتحركت الأسواق وبات هناك طلب على معروضات الأسواق مما خلق دورة رأس المال التي وسّعت حجم الأسواق وخلقت فرص عمل جديدة".

الطليباوي أكد أنَّ "توسع حجم العمل في الحقل يوسع فرص العمل الجديدة التي تتوزع في اختصاصات متعددة منها متوفرة ضمن المجتمع المحلي"، لافتاً إلى أنَّ "مستويات الرواتب المرتفعة بعض الشيء منحت حرية أكبر في الإنفاق لشريحة العاملين في الشركة النفطية، وهذا يحسب إلى المنافع الاجتماعية لهذه الشركات".

وطالب بأن "تعمل إدارة الشركة المستثمرة على إنشاء مركز تدريب متطور ضمن الرقعة الجغرافية لمناطق حقول الإنتاج والعمل على تدريب الشباب على اختصاصات في جميع مراحل الإنتاج، فضلاً عن توفير زمالات دراسية لشباب المنطقة في كبريات الجامعات العالمية، لا سيما بعد أن أصبحت هناك مخرجات من المدارس الإعدادية بمعدلات عالية تؤهل الطلبة للدراسة بأفضل الجامعات".

ونبه إلى أنَّ "المجتمعات المحلية باتت تدرك وجود منافع اجتماعية للمجتمعات المحلية، بعد أن كانت تغفل هذا الأمر سنوات عدة".

وإدارة شركة بتروجاينا توظف تخصيصات المنافع في أكثر من مفصل يقدم خدمة عامة للمجتمع، وأشرت الكثير من احتياجات المناطق (بحسب المصدر) من خلال تواجدها بشكل ميداني ومتواصل في هذه المناطق، وتدرك جيداً مدى الحاجة إلى التواصل مع سكان المناطق، ولكن فقدان الثقة في توظيف الأموال المحددة في العقود والبالغة 5 ملايين دولار لكل عقد (تخصيصات المنافع الاجتماعية) يحول دون صرفها كاملة.


وزارة النفط

المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد بين أنَّ "الوزارة أصرت على أن تتضمن عقود جولات التراخيص مبلغ 5 ملايين دولار تنفق كمنافع اجتماعية للمدن أو القرى القريبة والمحيطة بالحقول النفطية، على أن تنفق لإنشاء المستوصفات الصحية والمدارس، وتدريب السكان على المهن وجعلهم من الأيدي العاملة الماهرة". 

وأضاف أنَّ "وضع الشركات الحالية مختلف عن شركة كولبنكيان التي أنشأت ملعب الشعب الدولي، حيث كانت تستحوذ على الكمية الأكبر من الإنتاج، أما الشركات الآن فتعمل كمقاول، ورغم ذلك خصص هذا المبلغ، ونعمل على زيادة هذا المبلغ والقيام بمبادرات اكثر لدعم المجتمعات المحلية".

حجم التخصيصات 

حازم البصري مهندس نفط في شركة نفط الجنوب قال: "توقعنا أول الأمر أنَّ مناطق الانتاج النفطي ينتظرها مستقبل وردي ينقل المجتمع إلى حال جديد، لكن حجم المنافع الاجتماعية المقدمة يجب أن يرتقي إلى مستوى الطموح، كما يرتقي إلى حجم التخصيصات في العقود العديدة والكبيرة في محافظة البصرة".

وتنص العقود على تخصيص لمنافع اجتماعية بقيمة 5 ملايين دولار لكل عقد تخصص لمشاريع تنهض بالمجتمعات المحلية بحسب البصري الذي بين أنَّ "حجم تخصيصات المنافع الاجتماعية في العقود وحده يكفي لتغيير واقع الحال في هذه المدينة، ونأمل توجه مسارات أموال المنافع إلى بوابات تخدم المجتمات المحلية".


استحقاقات المحافظات

ماجد أبو كلل من التحالف العراقي للشفافية في الصناعات الاستخراجية عبر عن ملف المساهمات الاجتماعية في الصناعة النفطية بالواسع والمعقد، بسبب ارتباطه بصناعة النفط العراقية الضخمة، وعمل التحالف العراقي للشفافية في الصناعات الاستخراجية على هذا الملف. 

وكشف عن إعداد ونشر (دليل شفافية عقود جولات التراخيص النفطية) الذي تضمن فقرات تشرح تفاصيل التزامات الشركات الأجنبية المستثمرة في جولات التراخيص الأربع السابقة واستحقاق كل محافظة عراقية من المساهمات الاجتماعية بأنواعها المختلفة (مستردة، غير مستردة).

وأضاف "عمل أعضاء التحالف وحسب المحافظات على تنفيذ حملات لمساعدة المحافظات على المطالبة باستحقاقاتها من البترودولار باعتبار هذه المبالغ نوعاً من أنواع المساهمات الاجتماعية للصناعة النفطية"، موضحا أنه يمكن تقديم محافظة واسط كمثال جيد، وتركز مؤسسات المجتمع المدني المهتمة والمتخصصة على تنشيط حوار مجتمعي حول المساهمات الاجتماعية وإبقاء هذا الحوار نشطاً، لا سيما أنَّ بعض الحكومات المحلية في كثير من المحافظات المعنية لا تملك المعلومات الكافية عن هذا المفصل المهم.

وبين أبو كلل أنه "إلى اليوم لا توجد أرقام دقيقة، بسبب امتناع وزارة النفط عن نشر إحصاءات دقيقة عن استحقاقات المحافظات من المساهمات الاجتماعية، ونحن كمجتمع مدني نبذل حالياً جهوداً لإقناع وزارة النفط بنشر هذه الأرقام، في وقت نعمل على زيادة وعي المجتمع المحلي بشأن هذا الموضوع وحتى زيادة وعي الحكومات المحلية حول استحقاقات المحافظات من هذه المبالغ".


ضعف شفافية العقود

وألمح إلى أنه بحسب النصوص في القانون وعقود جولات التراخيص نعتبره مقبولاً لكن المشكلة في تطبيق هذه القوانين والنصوص التعاقدية، لأننا نعتقد وبسبب المؤشرات على الواقع أنَّ الشركات لا تنفق ما يجب عليها أن تنفقه، لافتاً إلى انه لا يوجد دليل على وجود فساد في تنفيذ مشاريع المساهمات الاجتماعية رغم ضعف شفافية هذه العقود، وضعف شفافية العقود يترك الباب مفتوحا لتوجيه اتهامات بالفساد كان يمكن غلق الباب من خلال تفعيل آلية الشفافية.

أشرنا هنا أنَّ الجميع يعتقد بوجود دور إيجابي لـ"تحالف الشفافية في الصناعات الاستخراجية" ومؤسسات المجمتع المدني المختصة في خلق توعية مجتمعية لدى سكان مناطق الإنتاج النفطي والحكومات المحلية لممارسة ضغط على الشركات النفطية العاملة والتي فازت بجولات التراخيص من أجل صرف مبالغ المنافع الاجتماعية التي أقرتها العقود النفطية، وجاءت النتائج مرضية بدءاً من "أم ساهر"، وتوظيف سكان المناطق ودور ذلك في إنعاش الأسواق، وصولاً إلى نسبة كبيرة من سكان المناطق التي ارتفع مستواها المعيشي وتحققت نقلة مرضية في حياتها على أمل الحصول على كامل حقوقهم وجعل مناطقهم نموذجية بمعنى الكلمة، بالشكل الذي يتناسب وثراء هذه المناطق.