بدور العامري
باتت مفردات اللغة الدخيلة والهجينة تتسلل من مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية إلى الحياة الواقعية، لتمارس دورها البشع في تهديد وتشويه لغة التراث والفصاحة والقرآن والأدب والشعر وكل شيء جميل. المختصون والمهتمون بالشأن شخصوا عدداً من المشكلات التي تعانيها اللغة في الوقت الحاضر مع اقتراح الحلول.
الشاعر والناقد مالك المسلماوي يرى أن اللغة عنصر مهم في بناء المجتمعات والأمم، كون وجودها يشكل ظاهرة تكاملية مع المجتمع، إذ لا كيان اجتماعياً بلا لغة ولا لغة بلا مجتمع، لذلك فهي تضطلع بمهام أساسية أهمها بناء وتنظيم الحياة وتكوين الهوية والمحافظة عليها، وبحسب المسلماوي فإن للغة دوراً خطيراً في مسألة وحدة المجتمع وتطوره، إذ لها الفضل في ربط ماضيه بحاضره ومستقبله، منبهاً إلى تأثير عامل البيئة (الزمكانية) في هذا المجال، إذ كلما صلحت البيئة استطاعت اللغة القيام بمهامها بصورة صحيحة.
وظائف
بقدر أهمية اللغة تتعدد وظائفها التي تتفرع منها وتتصل بها الممارسات والفعاليات الأخرى المتصلة بالسلوك والعادات والتقاليد وكل ما يتعلق بثقافة المجتمع، ويؤكد المختصون أن الوظيفة التعبيرية تأتي في مقدمة المهام التي تؤديها اللغة، إذ عن طريقها يكشف الإنسان عما يفكر به ويكمن في ذهنه على حسب درجة فهمه ووعيه ورغباته، أما الوظيفة التواصلية فهي أساس الرابطة الاجتماعية والتفاعل بين الأفراد وفهم بعضهم الآخر عن طريق اللغة، ويرى المسلماوي أن كل شخص يمارس دور المرسل والمستقبل، إذ تقوم اللغة بالكشف عما يريده هو والآخرون، وبذلك تكون هذه الوظيفة ذات طابع نفعي، إذ يعمل الفرد على سد احتياجاته من خلال التواصل، بينما تقوم الوظيفة التنظيمية للغة بالمساعدة على التحكم بسلوكه واستقراره عن طريق التذكير بالأهداف والعادات والعقائد.
إجراءات وخطوات
من الضروري أن تتخذ الجهات المسؤولة في الدولة عدة إجراءات وخطوات من شأنها الحفاظ على أصالة اللغة العربية وانعاشها بعد المطبات والمشكلات التي تواجهها كما تقول ايناس الحلي وهي تعمل مصححة لغوية في إحدى المؤسسات الإعلامية، إذ تبين تعرض اللغة العربية إلى إهمال وتشويه كبيرين خلال الفترة الماضية، إذ نجد التراجع الكبير في استخدام العربية الفصحى في وسائل الإعلام والتعامل في دوائر الدولة والأدهى من ذلك خلال التدريس في المدارس الابتدائية والمتوسطة وحتى الجامعات، ما فسح المجال للجمل الدخيلة البعيدة عن اللغة الأم وهي بطبيعة الحال تعمل على تشويه وتدمير أصل اللغة، وترجح الحلي سبب هذه الظاهرة إلى غياب الرقابة المؤسساتية بصورة عامة والاهتمام بسلامة اللغة بالنسبة لوسائل الإعلام، إضافة إلى سهولة استخدام بعض المفردات الهجينة أو الدخيلة تماشياً مع عصر السرعة والتقاط كل ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد بمثابة بحر عميق، يحمل بين طياته الصالح والطالح.
مبادرات
تقام بين فترة وأخرى بعض الفعاليات والمبادرات التي من شأنها إحياء أمجاد اللغة العربية في عملية أشبه بنفض الغبار عنها، ومنها على سبيل المثال مسابقات القراءة، إذ يقول التربوي محمد رضا الحسيني: «نحن بحاجة إلى مثل هكذا مبادرات وإن كانت قليلة لكنها تمتلك صدى جيداً لدى الجيل الواعي بأهمية لغته وجمالها، إذ تخلق جواً من المنافسة والتسابق في العودة إلى أصول الكلام ومعانيه الغزيرة، إذ من المعروف عن اللغة العربية شمولها وغزارتها وجمال معانيها مقارنة باللغات الأخرى”، في الوقت الذي أثنى فيه الحسيني على جهود بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي ممن يقدمون المحتوى الثقافي الهادف الذي يهتم برصانة اللغة وإظهار روعة مفرداتها عن طريق استحضار بعض الأبيات الشعرية التعليمية، لتكون مادة ثقافية دسمة وسهلة الهضم في آن واحد.
ودعا الحسيني الشباب الواعين إلى الالتفات إلى اللغة الأم والمواظبة على استخدامها وعدم الانجرار خلف الصفحات غير الرصينة وترديد ما يبثون من مفردات وكلام بحجة مواكبة الحداثة أو التغيير. إذ تعد مهمة الحفاظ على اللغة العربية مسؤولية فردية وجماعية في آن واحد.
وبحسب الناقد مالك المسلماوي فإنه يقع على عاتق المؤسسات التربوية والتعليمية النصيب الأكبر من واجب الاهتمام باللغة، إضافة إلى الدور الكبير الذي تمارسه الاتحادات الثقافية والأدبية والأنشطة الاجتماعية في مجال سلامة اللغة وتنقيتها من الشوائب، ممثلة بالنخب الثقافية والاجتماعية والدينية.
ونتيجة لما تقدم تظهر أهمية اللغة الأم للمجتمعات، إذ تمثل مستودع الفكر والحضارة والعلوم من جهة ووسيلة للتفاعل مع الأمم الأخرى لتحقيق الطابع الإنساني من جهة أخرى، عند ذلك الوقت نقول لا خوف على أعظم لغات الأرض قاطبة (اللغة العربية) بحب وحرص أبنائها.