سرور العلي
يعاني بعض الأطفال من قسوة آبائهم واستبدادهم وإساءة أمهاتهم لهم، ما ينعكس سلباً على حياتهم اللاحقة، فيشعرون بالخوف وعدم الأمان، بسبب الضرب والإهانة والسخرية، وهي نوع من التربية الاستبدادية التي يمارسها بعض الآباء.
يقول علي مهدي (32 عاماً)، بنبرات حزينة: {ما زلت أتذكر الضرب المتكرر الذي يقوم به والدي، واحمرار جسدي وتورمه عند رسوبي في المدرسة وعدم تحقيقي النتيجة التي يرغب بها، وللآن شعور الخوف والريبة بداخلي حين أتحدث معه».
فقدان الثقة
ومن الآثار السلبية لهذا السلوك في الطفل، تراجع مستواه الدراسي، وضعف في المهارات الاجتماعية، ويكون أقل عرضة للشعور بالقبول الاجتماعي بين زملائه وأقل كفاءة اجتماعية، وينخفض مستوى الاحترام لذاته، وترتفع نسبة الكآبة لديه، ولا يعتمد على نفسه ويفتقد للثقة بالنفس، ويعكس العنف الذي يمارس عليه على أطفال آخرين، ويتخذ القسوة والتنمر نهجاً له، والانخراط في أعمال الجنوح
والعنف.
وما يزيد من تفاقم المشكلة، هو أن هذا الأسلوب الاستبدادي ينتقل من جيل إلى آخر، فحين ينشأ الابن على هكذا نمط من التربية سيتبعه مستقبلاً مع أبنائه، ولا يغفر بعض الأبناء للوالدين ما فعلوه بهم، نتيجة للذكريات السيئة التي تلاحقهم وتسبب لهم الألم والكآبة.
وترى التربوية فاطمة الموسوي أن هذا السلوك يكمن برغبة الآباء في التحكم بحياة أبنائهم، ويبررون ذلك بأنهم يفعلون كل ذلك من أجل مصلحتهم، ما يدفعهم لفرض المزيد من القواعد التي تكبل الأبناء، ويتصف هذا النوع من الآباء بعدم التوافق مع الآخرين، وعلاقات اجتماعية متدهورة، وسرعة الغضب والشعور بالشك والقلق.
أسلوب صارم
إن هذا الأسلوب يستخدمه الآباء، معتقدين أن هذه التربية الصارمة تشكل الطفل بطريقة جيدة، وبحسب المختصة الاجتماعية بتول حسين فإن هذا الأمر يتحقق من خلال العقاب والصراخ، وفي هذا الأسلوب يتجاهل الآباء إنجازات أبنائهم ويعاقبونهم على الفشل، ويمارسون عليهم أشكالاً من العقوبات والتهديد، ويتوقعون منهم الطاعة والاستجابة لما يرغبون به، وفي هذا الجو الأسري المشحون بالقلق والرعب يفتقر الطفل للدفء والمحبة.
مضيفة “وتتصف تلك التربية بوضع قواعد صارمة للأطفال، وعليهم تنفيذها ويتوقعون منهم الطاعة العمياء من دون توجيه سؤال أو استفسار، أو التعبير عن مشاعرهم أو الرد وتنفيذ عقوبات عليهم، ويتوقع الآباء أنهم سيحققون نتائج أفضل، وعلى العكس من ذلك سيجعلونهم أطفالاً سيئين، وعدوانيين مع المجتمع، ويقومون بسلوك تخريبي كلما تقدموا في السن، وتصبح لديهم سمات غير عاطفية قاسية، وهي عدم تعاطفهم مع الآخرين وسوء الأخلاق”.
واقترحت أن يستمع الآباء لأطفالهم، وما يقولونه ولمشاعرهم وتنمية ثقتهم بأنفسهم، وبدلاً من وضع قواعد وأسس صارمة عليهم أن يضعوا إرشادات ويفسروها لهم، وتجنب العقاب الجسدي، وعدم دفع الطفل للشعور بالخجل حين يرتكب خطأ.
حلول
يجب على الأب أن يتقرب من أبنائه ويستمع لمشكلاتهم، ويحاول حلها ودعم هواياتهم وتشجيع مواهبهم ومنحهم الحب والحنان، إذ يؤكد المختص في صحة الأسرة والطفل عبد الكريم خليل أنها مسؤولية مشتركة بين الأب والأم، ولا تقع على عاتق أحدهما لتحقيق النجاح في الشراكة الزوجية، ومهما تكن الظروف التي يمر بها الآباء وانشغالهم في أعمالهم يجب أن يكونوا حاضرين دائماً وسط أسرهم، إذ إن غيابهم لا يعوضه أي شيء، وأكثر ما يعانيه الطفل هو غياب والده عنه لأسباب كثيرة، كبحثه عن لقمة العيش أو هجرته للعمل ويؤثر ذلك في نمو الطفل وثقافته، وحرمانه من الاهتمام والعطف، ويسبب له أزمات نفسية كالاكتئاب ويؤدي به إلى الجنوح أو الانتحار، كما أنه لا يتفاعل اجتماعياً ويكون سريع الغضب. كما أن الأطفال بحاجة إلى وجود الأب بجانبهم ليشعروا بأن هناك من يرعاهم ويحميهم، ويربيهم بشكل سليم ويمنحهم الثقة بالنفس، وضرورة أن يكون الأب قدوة لأطفاله ليحتذوا به، ولأسلوب الحوار والتفاهم دوره في حل مشكلات الغياب التي تحصل بين الزوجين، لتجاوز الإهمال والتهميش من أحدهما وتفعيل دورهما البارز.