عامر جليل ابراهيم
تصوير: صباح الامارة
كلما عبرت جسر الخر الواقع على مقربة من مبنى جهاز المخابرات العامة في بغداد جانب الكرخ ينتابني شعور بالحسرة على ما تبقى من هذا النهر، الذي كان بعرض عشرين متراً في ستينيات القرن المنصرم ليطمر كلياً في بداية الألفينات ويتحول إلى بركة من المياه الراكدة ومكبّ للنفايات، تلك الحالة المؤسفة تضعنا أمام أسئلة لا إجابة لها: ماذا حصل لبغداد وأنهرها عندما كانت أرضاً خصبة تغمرها المياه الوفيرة؟
ماذا حصل لتلك المدينة التي يشطرها نهر دجلة إلى قسمين، منذ تأسيسها بشبكتها الواسعة من القنوات والجداول التي كانت توفر لمزارعها، وسكانها ما يحتاجون إليه من المياه، فضلاً عن إضفائها طابعاً جمالياً غاية في الروعة؟.
مجرى النهر
يقع نهر الخر، أو ما يعرف بـ «شطيط» في بدايات القرن الماضي، خارج الحدود الإدارية لبغداد وحتى الخمسينيات منه، وبعد التوسع الحاصل في المدينة دخل ضمن حدودها، ويبدأ بالدخول إلى بغداد من مدينة الكاظمية وتحديداً من منطقة المحيط ماراً بمناطق الغزالية والعدل والوشاش والمنصور، ثم قصر الرحاب الملكي «المخابرات لاحقاً» والحارثية خلف ثانوية الكندي السابقة ليجانب قصري الزهور والقادسية قبل أن يصب في نهر دجلة في منطقة الجادرية.
وكانت تتفرع من النهر وتصب فيه قنوات وأنهر صغيرة كثيرة، منها قناة الداودي التي كانت تلتقي به قريباً من جسر الخر، كما يتفرع منه نهر المسعودي الذي كانت آثاره باقية حتى فترة قريبة، إذ يمر قريباً من جامع براثا، ثم من خلف جامع الشيخ معروف الكرخي، ليصل إلى قنطرة مقابل محطة تعبئة الوقود في منطقة العلاوي باتجاه جامع (بنية) الحالي، ثم يستمر في جريانه ليصب في دجلة. وبمرور الزمن تحول النهر إلى مبزل وبدأ عرض حوض النهر بالتقلص حتى وصل إلى نحو 5 أمتار في السبعينيات، وجرت عدة محاولات لتنظيفه لكن دون جدوى، إذ أصبح مجمعاً للفضلات والمياه الآسنة. إلى أن تم طمره نهائياً عام 2002 بعد المباشرة ببناء القصر الرئاسي آنذاك.
أضرار
يقول هشام القزويني، أحد سكنة منطقة المأمون: «لنهر الخر أهمية كبيرة بالنسبة لجانب الكرخ، إذ كان يسحب الرطوبة من المنطقة المحيطة به، وبعد اندثاره أصبحت تلك المناطق رطبة وملحية وغير صالحة حتى لزراعة الحدائق المنزلية».
أما الشيخ ستار جبار، رئيس طائفة الصابئة المندائيين، فيقول: «كان نهر الخر يمر قرب مندى الطائفة الصابئية في منطقة القادسية قبل أن يصب في دجلة، إذ كنا نؤدي طقوسنا الدينية على شاطئه لغاية تسعينيات القرن الماضي ثم توقف الماء عن الجريان فيه، بعد تحويل مجرى النهر إلى قصر الطاغية آنذاك، عندها أصبح نهر الخر غير صالح لنا وأصبح بحكم الماء الميت بحسب طقوسنا. كان تضررنا كثيراً بعدما طمر النهر الذي كان يخدمنا بسبب قربه من المندى لكونه مكاناً مغلقاً يصلح للعبادة والطقوس الدينية التي تستوجب أحياناً تبديل الملابس, إذ اضطررنا إلى تحويل مكان طقوسنا الدينية إلى نهر دجلة الجادرية مقابل جامعة بغداد».
توسع المدينة
الامتداد السكاني الواسع لمدينة بغداد، والذي وصل إلى ثمانية أضعاف عما كان في بدايات القرن العشرين، حوّل الكثير من الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية، والابتعاد عن نهر دجلة يتطلب توفير واجهة مائية وحزام أخضر للمدينة لإبعاد تأثير الجو الصحراوي. إن الاهتمام بالنهضة العمرانية والمتمثلة بإقامة أحياء سكنية وقصور واسعة دون الاهتمام بالنواحي الأخرى لتلك النهضة أدى إلى اختلال في التوازن البيئي ما أدى إلى ظهور مشكلات جديدة تتطلب إعادة النظر بطمر نهر الخر ومحاولة إعادته إلى سابق عهده لإبعاد التأثير السيئ الذي خلفه طمره.