الصناعات الفخاريَّة.. تراث يزدهر مع فصل الصيف

ريبورتاج 2023/03/19
...

 كركوك: نهضة علي


يعد الفخار رابطاً وثيقاً بين الإنسان وتراثه، وتعد هذه الصناعة من التراثيات القديمة، إذ توارثتها الأجيال في الصنع والاقتناء وما زالت تلك المحلية تحتفظ برونقها، ما زاد الطلب عليها، خصوصاً عند ارتفاع درجات الحرارة وإقبال فصل الصيف، فبعض الناس ما زالوا لغاية الآن يستخدمون تلك البودقة الفخارية(الحب)، فهي تحافظ على الماء بارداً رغم حرارة الجو، ويذكر أن تلك الصناعة تعود إلى العصور التاريخية الأولى في بلاد الرافدين، وبالرغم من ظهور الصناعات الحديثة، إلا أنها ما زالت تقتنى من قبل البعض. ويذكر أن الفخار يدخل في صناعة أدوات الطعام والزينة المنزلية والحدائق والمائدة وله فوائد صحية ويتميز بالبساطة.


بلاد ما بين النهرين

السيد نوزاد هياس عباس صاحب معمل لصنع الفخاريات في داقوق بين أن صناعة الفخاريات تعد من أقدم الصناعات المحلية في تاريخ الإنسانية، ويرجع تاريخها لما بين 8إلى 10آلاف عام قبل الميلاد وتحديداً في حضارة بلاد ما بين النهرين، علماً أن موادها الأولية هي تراب الحر أو (الحريّ) كما يسميه العاملون في المهنة، ويتم الحصول عليه من تربة أماكن مفتوحة، تنحصر في مناطق كركوك وحتى ناحية العظيم.

أما طريقة العمل فتكمن في خلط أو عجن هذ الحري مع مادة النفاش أو طريش كما يسمى لدى أهل مناطق الجنوب، ويضاف الملح ويمزج ثم ينقع لعدة ساعات لعمل أشكال الأدوات الفخارية والأواني والتي كانت تستخدم في الماضي من قبل القدماء كأدوات للمطبخ،  ومعدات للزراعة والتحف وتم استبدالها بعد تطور الصناعة بالأواني الحديثة، من الألمنيوم والستيل والخزف والسيراميك، وبعد عمل الأشكال يتم وضعها في فرن الصهر لتثبيت الشكل الذي يرغب صاحب المهنة بصناعته، مضيفاً أن صناعتهم تشمل جرة الماء (الحب)، و(البستوكة) وهي بودقة مقوسة بعنق دائري كان القدماء يحفظون فيها أنواعاً من الطعام للمحافظة عليه من التلف، كما تتم صناعة مواد أخرى مختلفة منها أوعية النباتات، وسقاية الطيور، فضلاً عن أدوات تقديم الطعام المتنوعة.

وتابع عباس قوله: "نحن مجموعة من الأقرباء نعمل بصناعة الفخار في قضاء الطوز، إذ توارثناها من الأجداد الذين عملوا بها وكانت لدينا ستة معامل أو أكثر، لكنها انحسرت إلى ثلاثة، واحد منها في الطوز وآخر في داقوق والثالث في كركوك بسبب تغير عوامل الطلب على تلك الصناعات، ومنافسة المستورد الصيني والإيراني، وعلى الرغم من ذلك، حاولنا ايصال المهنة لأولادنا وأحفادنا ليتقنوها".

مبيناً أن الكثير من الناس ما زالوا يعدون الفخار حافظاً للطعم الأصلي للماء ويجعل مذاقه يختلف عن ذلك الذي يحفظ في الخزان ويمر عبر الأنابيب نتيجة تعرضه لأشعة الشمس ومادة الخزان والأنابيب البلاستيكية.


طلب السياح

قحطان عدنان صاحب معمل فخار في كركوك، أكد أنه من معوقات عملهم في المعامل المذكورة، قلة مادة النفط الأبيض، مطالباً وزارة الثقافة بتزويدهم بألف لتر شهرياً من هذا النفط، إذ كانوا سابقاً يتسلمون 2000لتر من الوزارة شهرياً عن اشتراكهم في مهرجان التراث بمعرض بغداد الدولي وكانت الصناعات التراثية تحظى بدعم من الوزارة. لافتاً إلى أن من أبرز المواد التي تتم صناعتها اليوم في معمله هو إناء حفظ الماء أو الشاي وما يعرف محلياً بـ (الترمز)، بسبب كثرة الطلب عليه من قبل السياح في إقليم كردستان العراق خاصة منطقة رانية، والذي يعدونه عملاً متقناً نسبة إلى المنتج الإيراني، لأن الطين الإيراني مكبوس، لا يقوم بالتبريد مثل الفخار العراقي، الذي يمتاز بترشيح أكثر للماء، ولأن كركوك لا توجد فيها سياحة فإن الطلب قليل على قطع الترامز، وهناك رواج في كردستان ويتم عمله بالأحجام والقياسات حسب الطلب، مؤكداً أن عملهم يتطلب حرفية عالية.

ويشير قحطان إلى أن المستورد أخذ مؤخراً يؤثر في صناعتهم بسبب انخفاض سعره، نسبة إلى المحلي أو الأسعار التي يبيعون بها في معاملهم، فهناك مستورد من الصين وإيران وأفغانستان، وتتميز التحفيات المستوردة بأشكالها الجميلة، وتكون ذات ترتيب مختلف يعطيها مظهراً مرغوباً للمشتري، إذ يكون هذا المنتج الأجنبي أفضل من المحلي، خصوصاً في التحفيات والخزفيات وإن كل سلعة لها خاصيتها، في حين أن المنتج الفخاري من الأواني والأدوات التي تستخدم لتبريد الماء له خاصية أفضل في حفظ وتبريد الماء وبشكل أسرع من المستورد كونه مرشحاً جيداً.


 تزيين الواجهات 

بدوره نوه البائع مصطفى كمال بأن مبيعاتهم من أدوات ومعدات معينة، يكثر عليها الطلب في فصل الصيف وتتصاعد أعداد المشترين ومن مختلف طبقات المجتمع لذا ترى أن تلك المعروضات تفحص من قبل المشتري، إذ تملاً بالماء، فضلاً عن الإقبال على شراء التحفيات لتزيين واجهات المنازل، وتستخدم بعضها في النافورات بحدائق المنازل وبأشكال مختلفة، قد تكون على شكل طيور أو أشكال هندسية وأدوات حمل وزراعة النباتات بألوان بعيدة عن الفخار، إذ تستخدم فيها مواد أخرى صناعية كالخزف وغيره.