الفوتوغرافية آيدا مولونيه: هدفي إحضار الماضي إلى المستقبل

ثقافة 2023/03/19
...

 آيدان إيمانوفا* 

 ترجمة: مي اسماعيل 


لا تُخطئ العين الصور المُبهرة للمصورة الفوتوغرافية الأثيوبية "آيدا مولونيه"، التي اعتادت على تصوير شخصيات نسائيَّة بوجوه ترتدي الأقنعة، أو ملوّنة بالطلاء بأنماط دقيقة، وأردية ملوّنة. وإذ يمكن للمرء أن يفترض أنَّ بطلات مولونيه الملوّنات هُنَّ تمثيل لعالم سريالي من الخيال؛ فإنَّ ذلك لا يمثل سوى نصف الحقيقة. فتعبيراتها البصريَّة غالباً ما تكون انعكاسا لتجاربها الشخصيَّة واستكشافا للواقعيَّات والخيال معاً في أفريقيا ما بعد الاستعمار؛ بينما تجذب الناظر نحو موضوعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة والصراعات والصحة. تستكشف مولونيه أيضا الهوية النسويَّة الأفريقيَّة التي كانت ضمن التجربة الاستعماريَّة، بينما تستطلع النظرة الأجنبية الى النساء الأفريقيات وتروّج لتطور التصوير الفوتوغرافي وتأثيراته على تشكيل التصورات الثقافيَّة. 

تقول مولونيه: "جماليَّاً تمثل صوري مقاربة مختلفة لتقديم الموضوعات الاجتماعيَّة في أفريقيا من دون "كليشيهات" الغرب النمطيَّة؛ التي تستمر بالترويج لقصص من جانب واحد. هنا أوظف منظوري الإبداعي للتعبير عن قضايا مهمة عبر لغة بصريَّة مختلفة. تكمن جذور أعمالي في الواقع، الذي أُعبر عنه بأشكال بصريَّة  تجريديَّة". 

تستخدم مولونيه ألواناً أساسيَّة في فنها الفوتوغرافي؛ ويمكن رؤية الأحمر العميق والأزرق والأصفر في لوحاتها من مسافة بعيدة. تُحاكي تلك الألوان فنون اللوحات الكنسيَّة التي يمكن رؤيتها على جدران كنائس أثيوبيا. غالبية شخوص لوحاتها من النساء؛ فهي تؤمن بوجود قوة في نظرة عين المرأة. بتوظيف مواضيع أبطالها أساسا من النساء؛ تمكّنت مولونيه من مشاركة تجربتها الخاصة مع العالم. وعن هذا تقول: "هناك مثل يقول: "إذا علّمت شيئاً لرجل، فستكون قد علّمتَ شخصا واحدا؛ ولكن اذا علّمتَ شيئا لامرأة، فستكون علمت المجتمع بأسره..". 

تصف مولونيه أسلوب عملها بالقول: "يبدأ عملي غالباً بمخطط للوحة (سكيتش)، واستهل كل لوحة وكأنَّها انتاج فيلم؛ تجتمع فيه الشخصية وتصميم الموقع والاضاءة والتكوين معا. استخدم طلاء الوجوه كنمط يُساق فيه الالهام مدفوعاً بزخرفة الجسم؛ ليس في موطني فحسب، بل في أنحاء مختلفة من العالم. تأثرتُ بعمق بثقافات تقليديَّة متنوعة؛ لذا فإنِّي، وبطريقةٍ ما، أُحضر الماضي الى المستقبل عبر أشكال متنوعة".

عرضت مولونيه أعمالها مؤخراً في غاليري "إيفي" بدبي في معرض شخصي تحت عنوان: "فن التأييد"؛ بما يمثل استمرارية لتعاون مثمر مع الغاليري؛ بهدف النهوض بالفنانين الراسخين والناشئين من القارة الأفريقية وشتاتها. يقول مؤسسو الغاليري (المختص بالفن الأفريقي تحت إدارة "فالنتينا" و"كوبي" و"كوامي مينته"): "كانت أسرة الغاليري معجبة بأعمال مولونيه منذ وقت طويل؛ بوصفها فنانة وداعمة لغيرها من الفنانين، وتتسق روحيَّة أعمالها مع منظور الغاليري؛ إذ إنّها مبتكرة تتحدى القواعد المألوفة مع احترام التقاليد. وهذا ما شهدناه في مبادراتها الفنيَّة 

المتعددة".  

أنجزت مولونيه مواضيع تتعلق بشحة المياه والصحة ومحنة الحرب، فضلا عن تجربتها الجديدة في الرسم بالأيدي على الصور الفوتوغرافية بألوان الأكريلك. هناك أيضا سلسلة أعمالها بعنوان "حياة الماء" التي نفذتها لصالح منظمة "ووتر أيد - Water Aid" (الدولية غير الربحيَّة. المترجمة) لتسليط الضوء على محنة ايصال المياه الى المناطق الريفية وتأثير ذلك على الصحة والتعليم. التقطت مولونيه صور تلك السلسلة في السهول الملحيَّة الجافة بمنطقة دالول شمال أثيوبيا، واستقت من تجربتها الخاصة بالمنطقة؛ حيث تقع مسؤولية نقل المياه الى المنازل على النساء سيراً على الأقدام. تحض سلسلة الصور تلك على أهمية الدعم العاجل لإيصال الماء النظيف للمناطق الريفيَّة بأفريقيا.

هناك أيضا سلسلة صور "الصدى القرمزي" التي أنجزتها بطلب من صندوق "إيند-The END Fund " (مبادرة خيرية. المترجمة) التي تُركّز على تأثير إهمال الامراض الاستوائيَّة على المساواة بين الجنسين والصحة العقليَّة والتنقل والوصول إلى الموارد. حفلت هذه السلسلة بصور ظهرت فيها حشرات وتشكيلات تجريديَّة لأجزاء الجسم، وعناصر الزخرفة الإثيوبيَّة المستخدمة لتكريم المعارف التقليديَّة والمعتقدات من أرجاء أفريقيا. سعت الفنانة إلى تفكيك التمثيلات القاتمة للقارة الأفريقيَّة في ذات الوقت الذي تستفز فيه المشاهد للتساؤل عمن تؤثر هذه الأمراض عليه ولماذا؛ كما تقول: "تتلخص مقاربتي بتسليط الضوء على مواضيع اجتماعيَّة تثير تساؤلات الناظر حول أسبابها". 


*مجلة {آيدنتيتي} (عدد آذار 2023)