رحيل الياباني كينزابورو حائز «نوبل للآداب»

ثقافة 2023/03/19
...

 وليد خالد الزيدي  

جسدت الثقافة اليابانيّة الحضارة العالميّة المعاصرة الجديدة والتي تمتلك اليابان الجزء الأهم فيها كمصادر التقنية الحديثة والتنمية في مجالات الاقتصاد والإعلام والامكانيات البشرية الهائلة بعدما كانت تعكس اهتمامات وسلوكيات التواصل مع الماضي وموروثات التقاليد الأدبية والفنية القديمة والاسطورة والخيال والقدسية وموضوعات وأساليب الفنون والموسيقى.

 إذ ورث أدباء اليابان ومفكروها عبق الماضي وأصول أجدادهم في أول سكن بشري في جزيرة الأرخبيل الياباني منذ عصور ما قبل التاريخ أعقبتها فترةَ صناعة الفخار ذي الزخرفة الجبليَّة في الألف الأول قبل الميلاد عندما أُدخلت اليها تقنيات جديدة من قارة آسيا متأثرة بالحضارات القديمة كالصينية والفارسية وحضارة وادي الرافدين، فانعكست صورها وجذورها وتاريخها المتخم بالأساطير وقدسية الظواهر الخارقة في الفكر الياباني وألقت بظلالها على واقع ثقافة اليابانيين لكن تغير الحال اليوم، إذ تميّزت فترة (1868- 1945) ميلادي بوصول الثقافة الغربية إلى اليابان والتقارب مع الأدب الأوروبي كالشعر الحر وأصبح يُستعمل في أعمال أدبية طويلة تتضمن أفكاراً ومدارس جديدة عانى منها الشباب الياباني لكن الروائيون كانوا أول من استوعب بعض هذه الأفكار بنجاح.

وصل مذهب (الواقعية) الأدب الياباني بواسطة أدباء عديدين أما مذهب الرومانسية فقد أدخله الكاتب (موري أوجاي) مع مختاراته من القصائد المترجمة عام 1889، كما كتب روايات حديثة مثل (الفتاة الراقصة) بينما أسس آخرون مذهب الإنسانية وبطابع فكري وتحليلي كواقع جديد بداية القرن العشرين حيث أنتجت الحركة الأدبية بعد ذلك أدباً راديكالياً سياسياً يصور الحياة القاسية للعمال والفلاحين والنساء وغيرهم من أفراد المجتمع المضطهدين وكفاحهم من أجل التغيير وفي وقت الحرب شهدت اليابان ظهور مؤلفين اشتهروا بجمال لغتهم. 

امتاز أدباء فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، وهزيمة اليابان واثرها في أدبهم بقصص وروايات جسّدت السخط وفقدان الهدف والتعامل مع الهزيمة فاشتركوا مع الكتاب البارزين في السبعينيات والثمانينيات الماضية بالقضايا الفكرية والأخلاقية والانسانية في محاولاتهم لرفع الوعي الاجتماعي والسياسي كان ابرزهم الكاتب كينزابورو أوي الحائز لجائزة نوبل للآداب عام 1994، الذي توفي قبل ايام عن عمر (88) عاما تاركا ثقافة غنية في ادب الرواية والترجمة وليصبح بذلك ثاني كاتب ياباني يحوز الجائزة بعد الروائي ياسوناري كواباتا المتوفي عام 1972، الذي يعد اول اديب ياباني ينال نوبل وذلك عام 1968، لكن النقاد اعتبروا كينزابورو اوي أحد أشهر الشخصيات الادبية الكلاسيكية وبمؤلفاته من خلال كتاب (التجربة الشخصية) وروايات (احتضنتني المياه لروحي) و(ألعاب المعاصرين).  

على ما يبدو ان اوي مازج بين الادب والتمرد على الواقع الملموس الذي شعر به كظواهر صادمة رسمت في خياله صورا مؤلمة اثرت في ادبه بشكل ملحوظ وانعكست على اسلوبه الشرس في الكتابة؛ لذا يعد إحدى الشخصيات الأكثر نشاطًا ثقافيًّا وأدبيًّا وسياسيًّا وألف كتابًا عن هيروشيما نشر عام 1965، فالهمته الكارثة البيئية والإنسانية في فوكوشيما الفرصة لتوسيع نطاق هذا الالتزام برفض الطاقة النووية المدنية منبِّهًا إلى نتائج مأساة هيروشيما وناكازاكي فالتمس من رئيس الوزراء حينها التخلي عن الطاقة النووية وأيّده بذلك سبعة ملايين مواطن بتواقيع موثقة.

ولد كنزابورو أوي في قرية بجزيرة شيكوكو من مقاطعة إيهايم عام 1935، وتربى فيها وعندما نال جائزة نوبل توقف عن الكتابة مدعيا أن ابنه من ذوي الاحتياجات الخاصة أصبح شغله الشاغل ورشح للحصول على وسام الثقافة اليابانية لكنه رفضه.