الأم والنوروز تزامنا لبداية الحياة واستمراريتها

ريبورتاج 2023/03/20
...

  بدور العامري

  تصوير: مصطفى الجيزاني


يحتل اليوم الحادي والعشرون من شهر آذار في كل عام مكانة مميزة لدى العراقيين، ويعد الاحتفال به أحد التقاليد والعادات التي ورثها الأبناء عن الآباء، لأنه يجمع بين مناسبتين لهما مكانة مهمة في قلوبهم وهما عيد الأم والنوروز، لتبدأ الأسر بالتحضير والاحتفال لهذا اليوم قبل فترة ويستمر الاحتفال به لعدة أيام خاصة في شمال العراق لدى الإخوة الكرد، إذ تقوم الأسر العراقية بالتوجه إلى المتنزهات والمناطق السياحية للتمتع بجمال الطبيعة وسحرها بعد أن أعدت الأمهات أشهى الأطباق لوجبات الغداء وأنواع المشويات التي يتم إعدادها في الهواء الطلق.


أما عيد الأم فله النصيب الآخر من الاحتفاء بالأم العراقية، التي لا تشبه حياتها ومعاناتها أي امرأة أخرى في هذا العالم، لما مر به البلد من ظروف وحروب وأزمات استمرت لأكثر من أربعة عقود قبل الآن، ما أوجد جيلاً من الأمهات اللاتي واجهن أعتى  المصاعب مثل فقدان الزوج والمعيل، والابن والأخ من جهة وتحولهن إلى شعلة مضيئة في دروب أبنائهن من جهة أخرى. 


مثال الصبر

تتحدث الشابة نهى الربيعي عن خالتها أم رياض، التي تعتبرها مثالاً للمرأة العراقية الصابرة التي تحملت وما زالت الكثير، بسبب ما تعرضت له من مآسٍ ومعاناة في حياتها القاسية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إذ فقدت زوجها الذي يعيلهم وهي في ريعان الشباب ليترك لها  خمسة أبناء أربعة أولاد وبنتاً، اثنان منهم معاقان يعانيان من شلل تام سلبهما الحركة منذ الطفولة، لتبدأ المعاناة بمراعاتهما وتوفير كل ما يحتاجانه، وتابعت نهى أن معاناة الأم العراقية التي لديها أبناء معاقون  مضاعفة ويعدون عبئاً ثقيلاً على تلك الأسرة، لعدم توفر جهات ومؤسسات مهمتها التخفيف عن كاهل أولياء المعاق عن طريق توفير الرعاية الصحية والاحتياجات الخاصة المناسبة لهم أسوة بالبلدان الأخرى، وهي في هذه الحال كانت راضية بحكم ربها وقدرها، لتزيد الأمور سوءاً خلال عام 2006 عند اشتداد العنف الطائفي في العراق وأتتها الصعقة بمقتل ولديها رياض وعلي في إحدى أسواق مدينة بعقوبة على يد ثلة مجرمة لم تأبه لحال تلك المرأة التي أتعبتها هموم الحياة وضنكها. 


الارتباط الروحي 

وعند الحديث عن قلب الأم وإحساسها بأبنائها، مهما كانوا بعيدين عنها، خاصة عندما يتعرض أحدهم للأذى فقد وجدت الدراسات والأبحاث الحديثة، تفسيراً علمياً لهذه العلاقة بحسب الدكتورة عبير علاء الدين المختصة بالباراسايكولوجي والطاقة الحيوية، التي نبهت إلى وجود خلايا تهاجر من دم الطفل أثناء الحمل إلى الأم وتستمر هذه العملية طول فترة الحمل، إذ وجدت تلك الدراسات بقاء نسبة من هذه الخلايا في جسم الأم بعد الولادة، إذ تركت علامات دائمة على أنسجة الأم وعظامها ودماغها وجلدها ويمكن ملاحظتها بعد مرور ما يقرب من العشرين عاماً، الأمر الذي يفسر ظاهرة الارتباط الروحي والجسدي للأم مع الأبناء، كما تشير الدراسة إلى علاقة تكاملية بين جسد الأم وخلايا الطفل، إذ تعمل تلك الخلايا على إصلاح أي خلل تتعرض له المرأة أثناء الحمل، بينما تعمل الأم على توفير البيئة الآمنة للجنين داخل بطنها وتغذيته.


تراث ثقافي

نوروز أو اليوم الجديد هو أول أيام الربيع، إذ احتفل الأسلاف به وانتقل إلى الأبناء ولأهميته الاجتماعية الكبيرة،عدته اليونسكو من التراث الثقافي غير المادي، إذ أدرج في قائمة المنظمة بناء على مبادرة مشتركة من عدة دول منها العراق وأذربيجان، والهند وأفغانستان وغيرها من الدول التي تحتفل بهذه المناسبة كل عام، وفي 2010 أعلنت الأمم المتحدة يوم نوروز الدولي بهدف الحفاظ على الثقافة، والعادات والتقاليد الخاصة بهذا اليوم. ومن الجدير بالذكر أن الاحتفاء بهذا اليوم كان يتم منذ 3 آلاف عام. وتعتقد اليونسكو أن هناك مايقارب 300مليون شخص حول العالم يحتفلون بهذا العيد.


تثقيف 

الاهتمام بالجانب التعليمي والثقافي للمرأة من أهم العوامل الأساسية في دعم وتقوية الأم في المستقبل بحسب الناشط المدني عباس مهدي، ويتابع قوله:"لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار، البناء الصحيح للفتاة والمرأة بصورة عامة، كونها تمثل الحاضنة الأولى للجيل الجديد"، ويتساءل مهدي عن حجم الكارثة التي ستلحق بالأجيال المقبلة، هل لك أن تتخيل ماهي مواصفات البنية الاجتماعية في مجتمع ارتفعت نسبة تفشي الأمية بين الأمهات فيه على مستوى العالم وليس في العراق فقط، إذ تشير التقارير الخاصة بهذا الشأن أن المرأة تشكل أغلب الأميين في العالم بعد أن وصل العدد إلى ما يقرب من 600مليون امرأة أمية، لذلك كان لزاماً على الجهات المختصة والمؤسسات الساندة العمل بجدية لإيجاد الحلول الحقيقية لمعالجة هذه المشكلة.

وتعتقد الجامعية جيهان أحمد أن الأم ونوروز صنوان، إذ مع الأمهات تبدأ الحياة وتتشكل شخصية الطفل، وعيد نوروز هو بداية حياة ربيعية جديدة لهذا فهي ترى أن هاتين المناسبتين مرتبطتان مع بعضهما البعض، وتستحقان الاهتمام والتقدير.


المرأة المثاليَّة

طبيبة التجميل دعاء العامري تتحدث عن فضل الأم سواء كانت عاملة أم ربة بيت، لأنها في جميع الحالات  امرأة منتجة، إذ تبدأ نهارها بتهيئة أطفالها للذهاب إلى المدرسة بعد أن أعدت لهم الفطور ثم الالتفات إلى أمور المنزل الأخرى دون كلل أو ملل، علماً أن الغالبية العظمى من الأمهات لا تملك مساعدة أو مدبرة منزل كما هو حال في دول الخليج أو المجتمعات الأخرى، وتلفت الدكتورة دعاء إلى أنه لا بد من تثمين لدور الأم العراقية، وهو تقليد سنوي يتضمن توزيع هدايا رمزية لخمس نساء مثاليات، يتم ترشيحهن عن طريق مراجعاتها في العيادة، كنوع من رد الجميل للأم المثالية.


بطلات حقيقيات

أما الشاعرة الشابة ملاك أحمد فتقول: "لا يمكن للكلمات أن تفي حق الأم العراقية، مهما قلنا فيها نثراً أو شعراً، فهي الخبيرة الاقتصادية التي استطاعت أن تتكيف مع عجز موازنة الأسرة، وتسعى دائماً لإيجاد البدائل وتوفير أهم احتياجات المنزل بما هو متوفر، نعم إنهن المرهقات من عمل يوم شاق والآويات إلى فراشهن مع طقطقة عظامهن دون شكوى، إذ نجد أغلب النساء يصبرن على آلامهن، لأن فاتورة الكهرباء أولى بسعر كشفية الطبيب والعلاج، إنهن بحق البطلات الحقيقيات كيف لا، واختيارهن كان مختلفاً عن أغلب نساء الأرض، إذ تستبدل الأم المرطبات وكريمات العناية بالبشرة لتبقى يداها خشنتي الملمس لغرض توفير المال لمستلزمات أطفالها المدرسية، وأجور نقل ابنتها الطالبة الجامعية التي حفرت والدتها الصخر كي تواصل دراستها وتحصل على شهادة البكالوريوس وترفع رأس أمها فخراً.