{المسرات والأوجاع} يثير أشجان السينما العراقيَّة

ثقافة 2023/03/20
...

 رضا المحمداوي 


بعد انتظار طويل دام ما يقرب من عشرة أعوام، وفي دعوة عامة للجميع تمَّ العرض الخاص لفيلم "المسرات والأوجاع" في حفل رسمي شهدته صالة المسرح الوطني يوم السبت 4 آذار2023، وكان الفيلم قد تمَّ إنتاجه ضمن أفلام مشروع (بغداد عاصمة الثقافة) الذي أطلقته وزارة الثقافة العراقية عام 2013 ونفذته وأشرفت على إنتاج أفلامه دائرة السينما والمسرح.

وما زال ذلك المشروع والأفلام التي أنتجتْ تحت لافتته العريضة تثير الجدل واللغط وتواجهنا أسئلة الجدوى منه بعد الحصيلة النهائية المخيبة للآمال له في ظل الكثير من شبهات الفساد المالي والإداري وكذلك الفساد الفني الذي أنتج أفلاماً سينمائية - باستثناء القلة القليلة منها- متدنية المستوى لا ترقى بمجملها إلى التاريخ العريق للسينما العراقية وإنجازاتها المتباينة طوال حقب ومراحل تاريخية متعددة.

ولا يخرج فيلم "المسرات والأوجاع" المُعدّ عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب الراحل فؤاد التكرلي، وقام بكتابة السيناريو له السيناريست القدير ثامر مهدي وأخرجه مخرجنا المخضرم القدير محمد شكري جميل، عمَّا أحاط بأفلام ذلك المشروع الثقافي الفاشل وما صاحبها من تخبط وعشوائية في التخطيط وسوء إدارة فنية وما انتهتْ إليه تلك الأفلام من سمعة سيئة.  في بدء هذه المكاشفة النقدية لا بُدَّ من تثبيت ملاحظة مهمة وهي أن المتلقي العادي ضمن الجمهور العام قد لا يعنيه كثيراً أمر الرواية الأدبية للروائي فؤاد التكرلي ولا يعنيه كذلك مدى التغيير والاختلاف والتبديل الذي حصل للمتن الروائي على يد كاتب السيناريو ثامر مهدي وما قام به من اخضاع المبنى الروائي لاشتراطات الصنعة السينمائية الأولى المتمثلة بـ (السيناريو والحوار) فقد تحوَّلتْ الرواية الطويلة بأكثر من 460 صفحة برمتها إلى نص درامي ثم إلى عرض سينمائي، وما يهمنا الآن هو الصيغة النهائية للفيلم السينمائي المعروض على الشاشة البيضاء وسط الصالة المظلمة!. 

ولا تفيدنا بشيء في هذا الصدد أية دراسة نقدية مقارنة بين المتن الروائي والفيلم السينمائي، فضلا ًعمَّا تحتاجه مثل هذه الدراسة المقارنة من وقت كافٍ وجهد نقدي مكثف (وهو ما سأتوقف عنده في مقالة نقدية أخرى). وإزاء ما قد تمَّ تجسيده في الفيلم على الشاشة وما رافق ذلك من اضطراب واضح وارتباك كبير، ربما لأن الرواية نفسها قد لا تكون صالحة للإعداد السينمائي أو ربما طريقة المعالجة الدرامية للسيناريو والحوار لم تكن موفقة لكن دون أن تعني هذه الإشارة الانتقاص من قيمة الرواية الأدبية وثرائها السردي لكن اشتراطات السينما ومتطلباتها الدرامية والفنية لم تجدْ الأرض الخصبة والبيئة المناسبة والمشجعة لإنتاج فيلم سينمائي ناجح في ظل اختيار البناء الملحمي وامتداده لحقب ومراحل تاريخية طويلة من عمر الدولة العراقية ومعتركها السياسي الدموي الصاخب والمزدحم بالأحداث.

وعموماً كان على صُنّاع فيلم "المسرات والأوجاع" أن يأخذوا بنظر الاعتبار ما قد يثيره الفيلم في الوسط الأدبي وخاصة لدى كُتّاب الرواية والقصة إزاء رواية لكاتب بقامة فؤاد التكرلي المعروف بأسلوبه الواقعي الكلاسيكي.

 الاخفاق الفني الكبير الذي عانى منه الفيلم تجسدّ لنا بطريقة التعامل مع الزمن الدرامي الطويل والمتشعب الذي اختاره صناع الفيلم كسقف تاريخي امتد من بداية القرن الماضي وتحديداً عام 1917 مروراً بحقبة العهد الملكي من عام 1921 إلى نهاية الخمسينيات ثم ثورة الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1958 وبعده إنقلاب عام 1963 وإنقلاب عام 1968 ومروراً بعام 1979 والتغيير الكبير في قمة هرم الحكومة وظهور بوادر الحكم الدكتاتوري لصدام حسين ومن ثم اندلاع الحرب العراقية الإيرانية من عام 1980 إلى عام 1988وبعده حرب عام 1990 بما بات يعرف بأنه حرب الخليج الثانية وانتهاءً بالاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. 

بما حفلتْ به هذه التواريخ من منعطفات وتغييرات وتداعيات كثيرة في بنية المجتمع والدولة العراقية.

يتبع