الحنين الى الماضي

ثقافة 2023/03/29
...

سامر المشعل 



عودة الأغاني القديمة إلى الواجهة، أصبحت ظاهرة تتعدى الإطار المحلي، إنما هي ظاهرة عالمية، نجدها في البلدان العربية وكذلك في العالم الغربي، من خلال البرامج والمهرجانات، وبث الاغاني القديمة على مواقع التواصل الاجتماعي "السوشل ميديا"، واعادة تسجيلها وتقديمها بتوزيع جديد، وعمل الأفلام السينمائية والوثائقية والأعمال الدرامية عن حياة نجوم الغناء في السابق، وهناك من يحلو له تسميته بـ "الزمن  الجميل".

مناقشة هذه الظاهرة تصب في جدولين، أوله القيمة الفنية إلى هذه الاغاني من حيث الكلام الموزون والمعبر، والألحان الجميلة المركبة، والتي تكشف عن مفاتنها للسامع عبر الجمل الموسيقية، وبراعة ملحنها بالانتقالات النغمية العذبة، والتي تنم عن عقلية موسيقية متفردة بموهبتها، هذا فضلا عن الصوت المؤدي، الذي يضفي على الكلام واللحن جمالا مضاعفا، فيزيد من توهجه ويلامس المشاعر بتنويعات عذوبته وجماله، وهو يتنقل بين القرار والجواب كفراشة تحلق بين أزاهير النغم بخفة ورشاقة، وتترك المستمع بنشوة الطرب، لتنتزع منه آيات الاعجاب وتثير الشجن في داخله.

فقد كانت الاغنية آنذاك، خطابا جماليا ذوقيا وجدانيا لا يدخل هذا المضمار، إلا من تسلح بالموهبة والجمال الاخاذ وهناك رقابة من مؤسسات الدولة على نوعية ما يطرح، وهي لجنة فحص النصوص والالحان والاصوات، مهمة هذه اللجنة تكون مثل السيطرة النوعية على الاغاني، مكونة من كبار الموسيقيين والملحنين والشعراء، لا تسمح بمرور الغناء الهابط والخادش للحياء الى المجتمع، تأخذ اللجنة على عاتقها مهمة رفع مستوى الذوق العام، لذلك أغلب أغاني الزمن الماضي، هي ذات قيمة ذوقية وتتوافر على جميع العناصر الابداعية ويمكن سماعها في كل حين ووقت.

اما الجانب الاخر من استمتاعنا بالاغاني القديمة، فهو يرتبط بخلايا الدماغ وافرازاتها، أي هو جانب فسلجي علمي بعيد عن التفسير الثقافي والنقد الفني!.

الكل يعرف أن للموسيقى والأغاني التأثير العميق على مشاعرنا الانسانية، وقد اظهرت الدراسات الحديثة ان لهذه الاغاني تاثيرا على مشاعرنا، كون الدماغ يربطنا بالموسيقى، التي سمعناها في فترة المراهقة أكثر من أي شيء نسمعه كبالغين وهو رابط لا يضعف مع تقدم العمر، يعرف ذلك بالحنين الموسيقي " musical nostalgia " الذي لا يقتصر على كونه ظاهرة ثقافية فحسب، بل هو سلوك دماغي عصبي.

كما اظهرت الدراسات لصور الدماغ أن سماعنا لاغنيتنا المفضلة يحرض مناطق السعادة في الدماغ، فتقوم بافراز دفقة من الدوبامين والسيروتومين وعناصر كيمائية أخرى تعطي الشعور الجيد والمريح.

فكلما زاد حبنا لاغنية معينة يزداد نشاط العناصر الكيمائية وتكافئنا بالشعور بالسعادة.

من هذا الشعور يستقي البعض قولهم بأن الموسيقى هي كالمخدرات في نشوتها.

لذا فإن الحنين الى الاغاني القديمة والاستمتاع بسماعها لا يقتصر كونها أكثر قيمة ورصانة من الغناء الحديث، انما يرتبط ذلك بانها توغلت في دواخلنا ومشاعرنا ولها ارتباطاتها في عمل الدماغ، بمعنى أن للأغاني تأثيرا على المشاعر والعقل معاً.