في اليوم الثامن من رمضان عام 273 هجرية توفي العالم الشهير ابن ماجة واسمه أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي القزويني، والذي يعدُّ واحداً من أعلام وأئمة الحديث النبوي.
ولد في قزوين سنة 209 هـ (824 م) واشتهر بكتابه "السنن" أو "سنن ابن ماجه" الذي يعدُّ ضمن أهم ستة مصنفات للحديث النبوي.
ولد في قزوين التي فتحت في خلافة عثمان بن عفان، وأصبح البراء بن عازب أول والٍ عليها سنة (24هـ 644م)، ومنذ ذلك الحين بدأت تأخذ موقعها كمركزٍ معرفي، وباتت حاضرة من حواضر العلوم، تموج بالحركة والنشاط العلمي.
وفي تلك الفترة من عصر ابن ماجه، كانت الدولة العباسية تعيش أزهى فتراتها قوة وحضارة، في عهد المأمون.
منذ صغره آثر ابن ماجه مجالسة العلماء لا سيما شيوخ الحديث النبوي، وذلك في سن مبكرة، وأرفق ذلك بالرغبة في السفر والرحيل وهو في الثانية والعشرين من عمره، وهو نهج علماء الحديث في ذلك الزمان، حيث لا بُدَّ من التنقل بين البلدان لجمع الأحاديث والاستزادة بمعرفة العلماء والاحتكاك بهم.
سافر ابن ماجه إلى العديد من البلاد كالشام و الكوفة ودمشق والحجاز ومصر وغيرها، حيث كان يتعرف ويطلع على مدارس الحديث النبوي في كل بلد ارتحل إليه.
وقد تلقى وسمع عن العديد من العلماء ومنهم على سبيل المثال: محمد بن المثنى الملقب بالزمن، وأبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم من كبار الأئمة وعلماء الحديث.
جمع ابن ماجه بين نشاط التأليف والتدريس وتعليم الأجيال، ومن أشهر تلامذته ومن روى على يده ابن سيبويه ومحمد بن عيسى الصفار وإسحاق بن محمد وعلي بن القطان، وغيرهم من مشاهير الرواة.
وكان قد طاف بالبلدان في رحلات استغرقت أكثر من 15 عاماً ختمها بالعودة إلى قزوين، حيث تفرغ إلى التأليف والتصنيف، ورواية الحديث بعد أنْ كسب صيتاً وقصده الطلاب من كل مكان.
وقد وصفه القزويني من علماء الحديث بأنه "ثقة كبير، متفق عليه، محتج به، له معرفة وحفظ، وكان عالماً بهذا الشأن صاحب تصانيف منها التاريخ والسنن".
وكذا أثنى عليه الإمام الذهبي، حيث قال فيه إنه "كان حافظاً وعالماً وناقداً وصادقاً". بالإضافة إلى ثناء ابن خلكان الذي أعجب بعلمه وإحاطته ودرايته بالحديث وعلومه كافة.
ويعدُّ كتاب "سنن ابن ماجه" واحداً من كتب الأحاديث النبوية الستة، وهو من أبرز وأهم ما ألفه ولقي الشهرة بسببه. وقد جاء مرتباً على أبواب، وبلغ نحو 4341 حديثاً، يرى بعض العلماء أنه فيها ما هو غير صحيح أو ضعيف، وبعضها متشارك مع أحاديث تم إخراجها من قبل علماء الحديث الآخرين، لكنه انفرد عنهم بنحو 1339 حديثاً.
وما يميز الكتاب أنَّ ابن ماجه اعتنى به شرحاً وتعليقاً، وقد قام بعض العلماء بعمل شروح له ومنها: "كفاية الحاجة في شرح ابن ماجه" للسندي، و"مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه" للسيوطي، و"الكواكب الوهاجة بشرح سنن ابن ماجه" لمحمد المنتقي الكشناوي، وغيرها.
عدا عن كتابه الشهير "السنن"، فقد ألف ابن ماجه تفسيراً للقرآن الكريم وصفه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" بأنه تفسير حافل، لكنه للأسف ضاع، كعديد من الكتب الأخرى التي ألفها.
كما ألف في التاريخ كتاباً أرَّخ فيه من عصر الصحابة حتى عصره، وقال عنه ابن كثير بأنه "تاريخ كامل". وهو الآخر لم يبق وظل مفقوداً.