مع ذكراها العشرين : حرب العراق أضرّت الأميركان لعقود قادمة

بانوراما 2023/04/02
...

  جيسون برادلي

 (جمعية المحاربين الأميركيين القدامى)

  ترجمة: بهاء سلمان

مع حلول الذكرى السنوية العشرين لبدء حرب العراق، تنعكس أمور عديدة على جميع ما حصل خلال العقدين الماضيين. أنا خدمت في العراق، وفي كل أرجاء الشرق الأوسط والقرن الأفريقي كجزء من الحرب العالمية ضد الارهاب، ورأيت أسوأ ما يمكن للحرب أن تفرزه، وشاهدت مواقف لا تنسى للجنود الأميركان.

بيد أن تلك المواقف الظاهرة في العراق وحول العالم ما هي إلا بقعة مضيئة وسط أخطاء لسياسة خارجية مظلمة من جانب معاكس، ولربما تمثل أحد أسوأ الأخطاء الفادحة في تاريخ الولايات المتحدة.

إن تداعيات الحرب في العراق، وحروب الولايات المتحدة الأخرى المتواصلة باستمرار عموما، يتم استشعارها مسبقا وسيبقى أثرها لعقود قادمة. لقد وضع السياسيون الأميركان قوات بلادهم عند مواقع بعيدة عن أرض الوطن لا تطاق ولا يمكن تحقيق الغلبة فيها، وتركوا الجنود بلا طريق واضح نحو الانتصار. هذا الحال لا يمثل خطرا فقط على من شارك فعليا على أرض الحرب، وإنما على داخل أميركا، فالخطر الحقيقي دخل إلى الولايات على شكل روح معنوية متدنية، وإحساس باللاهدف، وأن تضحيات الجنود والخسائر الأخرى قد ذهبت عبثا.


تكاليف باهظة

بلغت تكلفة الحروب لمرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر أكثر من ستة ترليونات دولار، تم تمويل معظمها من قبل الحكومة؛ ليؤدي هذا الأمر إلى صعود صاروخي للدَين الوطني الأميركي، مرتفعا بقيمة 25 ترليون دولار خلال 21 سنة. وسيضيف الاعتناء بالمحاربين القدامى المزيد من التكلفة المالية على تلك الحروب، فقد تضاعف إنفاق الحكومة الاتحادية على شؤون رعاية المحاربين القدامى على مدى العشرين سنة الماضية، وسوف يكون هناك حاجة إلى ما يزيد عن ترليوني دولار على أقل تقدير لأجل تقديم الرعاية الطبية والمنافع الاجتماعية لثلاثين سنة قادمة. ومن المحتمل ازدياد هذ الرقم بشكل كبير مع تطوّر إدراك الرأي العام الأميركي لمسألة التعرّض للسموم.

وفيما يخص الإعاقة، فعلى مدى الثلاثين سنة القادمة، من المتوقع ان يتلقى 54 بالمئة من المحاربين القدامى مدفوعات عجز مدى الحياة، وهذا معناه أنه لا يقل عن مليون محارب سيتلقون مساعدات مالية للاعاقة من وزارة شؤون المحاربين القدامى. إذ يعود المحاربون إلى وطنهم، غالبا بعد عمليات انتشار متعددة، ويعيشون حياة مدنية مع ندوب الحرب، الجسدية والعقلية والنفسية.

المأساة الأفظع للحروب في الشرق الأوسط هي انتحار المحارب القديم، وأنا أعلم أنني لست الوحيد بمعرفة أناس صدموا بهذه الحالة المفزعة؛ والظاهر بأن كل محارب قديم التقيته لديه قصة مأساوية عن هذه الخسارة. ومقابل كل جندي قتل في الحرب العالمية على الإرهاب، كان هناك أربعة جنود قد أقدموا على الانتحار لحروب ما بعد مرحلة 11 سبتمبر، ليبلغ الإجمالي أكثر من ثلاثين ألفا. تعتبر هذه الأرقام صادمة، كما أن الموتى يتركون خلفهم أثرهم المؤلم على أسرهم وأصدقائهم.

عدا ذلك، هناك من لم يتمكّن من النجاة والعودة إلى وطنه، فقد مات نحو 4600 جندي أميركي في العراق فقط، علاوة على 2500 آخرين في افغانستان وسوريا وغيرها من الدول. كل واحد من هؤلاء الموتى يمثل طاقة ضائعة وحياة انتهت بسرعة، بينما بقي الأحباء للملمة الأشلاء.


بالتالي، ماذا يمكن فعله؟

ترى جمعية المحاربين القدامى أنه ينبغي على الكونغرس العودة لمسؤوليته عن اتخاذ القرارات المختلفة الخاصة بالتدخل العسكري، وهذا معناه سحب التفويض العابر لمداه الزمني لاستخدام القوة العسكرية، وإعادة قرارات التفويض بيد أشخاص يقدرون المسؤولية الملقاة على عاتقهم من قبل الشعب. ولا تزال هناك ثلاث تفويضات باستخدام القوة العسكرية من آخر ثلاثين سنة سارية المفعول، سامحة للإدارة الأميركية وللقادة العسكريين غير المنتخبين بنشر القوات من دون موافقة الكونغرس. 

أدى هذا الحال إلى بقاء القوات الأميركية في العراق بعد وقت طويل من انتهاء المهمة الرسمية لها، كما يتم نشر القوات حول العالم بأسره مع عدم وجود وضوح كبير لماهية مهماتها، أو كيف أنها تعمل على جعل الأميركان أكثر أمانا داخل بلادهم. 

وتتعرّض القوات الاميركية بشكل دائم إلى الخطر وفقا لتفويضات استخدام القوة العسكرية التي خرجت عن مداها الزمني، مع افتقاد عنصر المساءلة داخل وزارة الدفاع والبيت الأبيض، والسبب هو الكونغرس، الذي ربما بدأ يتجه نحو المسار الصحيح، إذ أعلن «تيم كين»، السيناتور الديمقراطي عن فيرجينيا، و»تود يونغ»، السيناتور الجمهوري عن انديانا، عن وجود تحرّك لسحب تفويضين لاستخدام القوة العسكرية يعودان للعامين 1991 و2002، من خلال اللجنة المختصة، ومن المقرر تمريره قريبا من مجلس الشيوخ قريبا. وتعد هذه خطوة باتجاه إشراف الكونغرس على الحركة العسكرية.

لقد كانت تأثيرات حرب العراق والحرب ضد الإرهاب كارثية، وسيتم الشعور بها على مدى عقود، لكن الأمر ليس متأخرا بشكل تام بعد لتجنيب الأجيال القادمة من المقاتلين الأميركيين صراعا لا ضرورة له. ولكوني محاربا قديما خدم في العراق، أتمنى أن أرى الكونغرس وهو يسترد مسؤولياته في زمن الحرب، وأن يعامل باحترام من هم من أمثالنا الذين أدوا خدمتهم العسكرية من خلال قرارات أكثر حصافة تخص السياسة الخارجية مستقبلا.

مجلة نيوزويك الأميركية