فك شيفرة رسائل «ماري» المفقودة

بانوراما 2023/04/02
...

  روزماري غيلز

  ترجمة: شيماء ميران



القرن السادس عشر، احتُجزت «ماري» ملكة اسكتلندا من قبل قريبتها «الملكة اليزابيث الاولى» لمدة 18 عاما عجيبة، وكانت بعيدة عن الوضع الطبيعي طوال تلك الفترة. ورغم بقائها محتجزة بين القلاع وبيوت النبلاء، كانت لا تزال يسمح لها ببعض التواصل مع العالم الخارجي من خلال كتابة الرسائل. ومع ان رسائلها محفوظة في العديد من الاماكن حول العالم، لكن فريقا من علماء التشفير عملوا جزئيا على كشف وفك شيفرة مجموعة من رسائلها المفقودة.
ومن بين مجموعة مراسلات ووثائق ايطالية يعود تاريخها الى القرن السادس عشر، محفوظة في المكتبة الوطنية الفرنسية، هناك 57 رسالة مكتوبة كاملة بالشيفرة، وهو ما لم ينتبه إليه أحد عندما تم فهرستها للمرة الاولى، ظنا منهم خطأً بأنها ايطالية. وبقيت غير مكتشفة حتى عثر عليها عازف بيانو ألماني وعالم حاسبات آخر وفيزيائي ياباني ضمن مجموعة على الانترنت، وأدركوا انهم عثروا على شيء مهم جدا.

بدأ الفريق المكون من «جورج لاسري، ساتوشي توموكيو، نوربيرت بايرمان» لاحقا بالعمل. وايقنوا انهم لن يتمكنوا من تحديد هوية الكاتب الغامض حتى يفكوا رموز اجزاء من الرسائل اولا. واصبح واضحا، ان من كتبها امرأة لها لها ولد. تكررت فيها أحيانا عبارات مثل «حريتي»، واللقب «والينغهام» عدة مرات، فكانت هذه الدلائل هي ما يبحثون عنها، ليظهر أن من كتب الرسائل هي «ماري» ملكة اسكتلندا.

متدربة على الشيفرة

بالتأكيد، لم تجعل ماري الامر سهلا على الفريق لفك رموز رسائلها، وهذا هو المطلوب. إذ تدربت على يد والدتها ومنذ صغرها على الكتابة المشفرة، وهي مهارة مهمة بالنسبة للشابة الملكية. ولم تكن قادرة على حفظ سرية رسائلها المكتوبة فقط، بل تعلمت كيف تحميها من خلال استخدام قفل الرسالة، وهي مهارة شائعة بين النبلاء طوال فترة حياتها. ويكون ذلك بطي الرسائل بأنماط معقدة، وإدخال خيط او قطعة ورق اخرى في شق وختمها بالشمع. وبينما تبقى إمكانية فتح الرسالة مؤكدة، لكن هذه الطريقة تنبه مستلم الرسالة بأنه قد تم فتحها، فربما تتمزق قطعة من الورق او تضيع. ومع ان الرسائل التي عُثر عليها في الارشيف الفرنسي لم تكن مقفولة بهذه الطريقة، لكنها لا تزال مشفرة بنمط معقد. ويوضح «لاسري» ان: «الشيفرة تحتوي على 200 رمز مختلف، وجميعها يمكن ان تمثل حروفا وأرقاما واسماء، ولا توجد أدنى فكرة عن التاريخ والمستلم والمرسل، ولا أحد يمكنه التكهن بمحتواها». 

استخدم الفريق طرقا مختلفة لفك شيفرة الرسائل، من بينها التحليل اللغوي وخوارزميات الكومبيوتر والفك اليدوي للشيفرات. واستخدم الفريق الكومبيوتر في بادئ الامر، ليتمكنوا من قراءة ثلاثين بالمئة فقط من النص.

ولمعرفة المزيد، اتجه الفريق الى حل الشيفرات يدويا، ووضعوا فرضيات لما يمكن أن تشير إليه تلك الرموز قبل اختبارها. كان العمل شاقا لدرجة جعلت أعضاء الفريق يعملون طيلة أوقات فراغهم وأيام عطل نهاية الاسبوع. ليتوصلوا في النهاية إلى نظرة عامة عن الرسائل ومحتواها، بأمل أن يتم تحليلها بنحو اوسع لاحقا.

تحتوي الرسائل على ثروة من المعلومات الجديدة عن الفترة التي قضتها «ماري» في الاحتجاز، ومدتها ست سنوات بين العامين 1578 و1584، وقد كُتبت بكلماتها الخاصة بها. 


مواضيع المحادثات

وكان من بين الرسائل، 54 رسالة كتبتها ماري الى «ميشيل دي كاستيلنو» سفير فرنسا في انكلترا، ورسالتان كتبتها الى الشاعر «فرانسوا فنلون» عندما كان مبعوثا الى اسكتلندا، وواحدة مرسلة من سكرتيرها «جاك ناو» الى «جين أرنولت». من الواضح بالفعل، ان «ماري» كان لها تواصلا سريا مع «كاستيلنو»، الذي كانت تُرسل اليه الرسائل بيد سعاة بريد موثوق بهم. وكان هذا ولأسباب مفهومة، نقاشا متكررا في رسائلها الموجهة إليه، إذ ارادت التـأكد من قدرتهما على الاستمرار في الكتابة واحتفاظها بحلفاء لها في فرنسا. كما انها حذرته من «والسينغهام» مسؤول التجسس التابع للملكة اليزابيث بانه قد يحرض البعض ضدهما، وهو ما قام به الفعل.

في منتصف نيسان 1583، عبّرت «ماري» عن امتنانها العميق لكاستيلنو لمواصلة دعمه لها: «لا يسعني ان اشكرك بقدر كاف على العناية والحذر والمودة، والتي ارى فيها انك تتبنى كل ما يثير قلقي، وارجو منك الاستمرار بذلك بدرجة اقوى من السابق، خصوصا بشأن فك احتجازي الذي ارى ان ملكة انكلترا تميل اليه».

تضمنت الرسائل مواضيع اخرى مثل الزواج المحتمل بين اليزابيث والكونت أنجو بتدخل من ماري: «إن الجانب  الانكليزي ليس صادقا في مفاوضاته، وهدفهم الوحيد هو إضعاف فرنسا ومواجهة إسبانيا».

لقد كشف فريق المشفرين عن ثروة من المعلومات حول احتجاز ماري ملكة اسكتلندا، وهم مستمرون بمزيد من البحث. ويشيرون الى المزيد من الرسائل غير المعروفة، لا يعلم بأمرها إلا ماري، لأنها أشارت إليها ضمن رسائلها المشفرة الاخيرة.


عن موقع ذا فينتج نيوز