كاتبي المفضل!

الصفحة الاخيرة 2019/04/16
...

حسن العاني 
يمثل العقد السبعيني من القرن الماضي بالنسبة لي، بداية بالغة الاهمية على طريق النضج الثقافي، فقد تجاوزت المحاولات المبكرة لعقد الستينات في كتابة قصة او مقالة ثقافية او خاطرة.. الخ، ابسط ما يقال عنها، إنها متواضعة، في السبعينات تغير كل شيء، سواء على صعيد كتاباتي ام على صعيد قراءاتي، وبخلاف ذلك لم تكن لي اهتمامات ذات اهمية، لا في الكتابة الصحافية ولا السياسية، بل لم أكن ميالاً حتى الى قراءة الجرايد او سماع السياسة واخبارها، ومن باب الامانة التاريخية فإن انشغالي بعالم الثقافة قد اقترن بعشق آخر هو الشغف الكبير بارتياد السينما والمسرح والمعارض الفنية، ومعلوم بأن هذه النشاطات هي احدى المفردات الرئيسة لبناء الثقافة والشخصية الثقافية.
ثمة استثناء في هذا المشهد، هو تعلقي بكاتب سياسي عراقي، يستحق زيادة على ما يتمتع به من رشاقة اسلوبية ولغة سليمة وتعامل دقيق مع المفردة او الجملة بحيث تعطي الدلالة المطلوبة او الايحاء الجميل.. أقول ان الرجل يستحق لقب مفكر عبقري او محلل سياسي لا يشقُ لع غبار، وقد علُق في ذاكرتي في ما علق من مقالاته الطويلة، ذلك الهجوم العنيف ولكنه الخالي من الشتائم او الكلام الرخيص، ضد النظام السوري لانه على حد تعبيره إحتل "لبنان"، وهذا تجاوز صريح على سيادة هذه الدولة الوديعة، وهي عضو في الجامعة العربية والامم المتحدة، ناهيك ان هذا الاجتياح كما جاء في المقالة سيخلف تأثيرات سلبية بالغة الخطورة في (وحدة الصف العربي ومستقبل الامة)، وقبل ان يختم مقاله بدعوة المجتمع الدولي الى مواجهة هذه الظاهرة الاستعمارية الجديدة، متمثلة بقيام دولة صغيرة من بلدان العالم الثالث، هي سوريا، باحتلال دولة من العالم نفسه بديلاً هزيلاً ومضحكاً عن النماذج الاستعمارية القديمة كالبرتغال وبريطانيا وفرنسا وايطاليا.. (الحقيقة استغربت بعد عشرين سنة، وهذا الكاتب السياسي كان وما زال يتواصل مع تحليلاته وافكاره وطروحاته بالهمة نفسها، لماذا لم يعترض على قيام العراق في التسعينات باحتلال دولة عربية صغيرة، لها سيادتها، ولها علمها في الجامعة العربية والمنظمة الدولية!)
على اية حال ما حصل لاحقاً هو إن النظامين السوري والعراقي، وفي عقد السبعينات كذلك، قد عبرا صفحة الهجوم السياسي والاعلامي المتبادل بينهما، وفتحا صفحة جديدة من التفاهم والقلوب المفتوحة ونسيان الماضي، فاذا بكاتبي المفضل يتخلى فوراً عن مصطلح (الاحتلال السوري للبنان)، ويتبنى مصطلح (الوجود السوري في لبنان)، وكلام طويل عريض عن النظامين اللذين يتبنيان الموقف النضالي والمستقبلي ذاته من فلسطين ومن الوحدة والحرية والاشتراكية، مع تركيز واضح على (الوجود) السوري الذي لولاه، ولولا بطولات جيشه الشجاع لقامت اسرائيل بابتلاع لبنان، ولان عرس النظامين (العراقي السوري) سرعان ما انتهى الى الطلاق بالثلاثة، فاذا بكاتبي المفضل يعاود شتائمه للنظام السوري المحتل، مما يجعلني اعيد حساباتي واتساءل: هل السياسة هي على هذه الصورة دائماً؟!.