الهندسة العكسيَّة في الشّعر

ثقافة 2023/04/03
...

 سلام محمد


 تلجأ بعض الدول مثل: تركيا، إيران، البرازيل، والصين ، إلى الهندسة العكسيّة لتغطية حاجتها من الأسلحة، وبعض الاحتياجات المدنيّة، وفحوى هذه الهندسة هو أن تأتي الدول المذكورة مثلا بطائرة مسيّرة من صنع أمريكا، أو فرنسا، أو دولة عظمى أخرى، وتفكك هذه الطائرة ومن ثمّ يتم صنع طائرة مسيرة تحاكي هذه الطائرة

المستوردة. 

فعلى أنقاض هذه الطائرة وبنكهتها الخاصة، يتم صنع طائرة مسيّرة من قبل هذه الدول، علما أنّ هذا النوع من  الهندسة مسموح به في القانون الدولي، رغم امتناع بعض الدول الأوربيّة عن استعمال هذه الهندسة، والمشكلة الكبرى حين تنتقل هذه الهندسة إلى الشعراء، حيث يذهب بعض الشعراء إلى الإتيان بقصيدة عظمى لشاعر عظيم، ومن ثمّ يفكّك هذا الشّاعر القصيدة ويبني على أساسها قصيدة تحاكي قصيدة الشاعر الذي فككت قصيدته، بل ويستعمل حتى القوافي نفسها، وبهذا تأتي القصيدة مشوّهةً كونها لم تصدر عن تجربة خالصة، وقريب من هذا الصدد يقول شاعر القطرين خليل مطران (وأن خطة العرب في الشعر لا يجب حتماً أن تكون خطتنا، بل للعرب عصرهم ولنا عصرنا، ولهم آدابهم وأخلاقهم وحاجاتهم وعلومهم ولنا آدابنا وأخلاقنا وحاجاتنا وعلومنا؛ ولهذا وجب أن يكون شعرنا ممثلا لتصورنا وشعورنا لا لتصورهم وشعورهم). 

وأتفق معه في هذه الرؤية نحو شعر ينبع من واقع تجربة الشاعر لا من واقع تجربة شاعر من عصر آخر، وإذا كان مطران لا يوافق على مسألة تتعلق بالموضوعات، والشعور الذي يقتبس من عصر آخر، فماذا تراه سيقول عن الشعراء الذين يستعلمون الهندسة العكسية في الشعر؟ إنّ قراءة التراث واستلهامه أمر لا بدّ منه لدى

الشاعر. 

فكما يقول عبد الله الغذامي في كتابه «ثقافة الأسئلة» عن الشعر حيث (لا يأتي مِن فَراغٍ، كما أنَّه لا يُفضي إلى فَراغ) فالشاعر الذي يشعر بمسؤولية الكلمة يقرأ التراث ويخرجه بطريقة حداثيّة مغايرة، لكن الذي يستعمل الهندسة العكسيّة حتما سيكون الشعر لديه يفضي إلى فراغ محض، لأنّه لم يكتب قصيدته بروحه، ولم تشتعل أحاسيسه وهو يدوّن نصّه، بل تكون القصيدة لدى هؤلاء الشعراء كالكلمات المتقاطعة التي يحلّها المولعون بها بلا أدنى استعمال للمشاعر والأحاسيس التي تكوّن قيمة أي نص شعري وتحدد تأثيره

بالمتلقي.