لوگّا (توسكاني) - عرفان رشيد
أحدث المخرج الأوسكاري (المكسيكي) آلفونسو كوارون مفاجأة عندما دخل قاعة قصر الدوقيّة في مدينة لوكّا الإيطاليَّة، مُصفّقاً للمخرج الإيطالي الكبير المايسترو پاولو تاڤياني الذي كان يُمنح في تلك اللحظة جائزة “اليونسكو - فيديريكو فيلّيني”، وجائزة “الحياة الفنّية” من مهرجان “لوكّا السينمائي الدولي”.
وقد تفاجأ پاولو تاڤياني نفسه بهذا الحضور غير المُتوقّع؛ لكنَّ دهشته وانفعاله زادا عندما استمع إلى كلمات كوارون بحقّه وبحقّ شقيقه الراحل فيتّوريو تاڤياني، الذي توفّي في مثل هذه الأيام من العام الماضي. وقال كوارون لپاولو تاڤياني: “أنا مدينٌ لكما ولعملكما كسينمائي وكإنسان قبل كلّ شيء، فقد أسهمتما في صناعتنا كجيلٍ سينمائيٍ وكبشرٍ”، وأضاف: “لقد تلوّنت مراهقتي بأفلامكما، وكانت جوهريَّة بالنسبة لحياتي، فهي سينما مجبولة بالأواصر الإنسانيَّة وبالعلاقة ما بين الشخص والعالم”. وختم قوله: “عندما سمعت أنّك موجودٌ في لوكّا وأنا قريبٌ منك، هُرعت لتحيّتك”.
ولم يتمكّن پاولو تاڤياني من التعليق على كلمات كوارون، إذْ خنقته العبرات وبعد لحظات من الترقّب ومن محاولات للردّ على تلك التحيّة، أكّد أنّ “آلفونسو كوارون هو خيرُ من يصنع سينما الواقعيّة الإيطاليَّة الجديدة، وما أحوج السينما إلى الواقعيَّة الإيطاليَّة الجديدة”.
يُذكر أنَّ جائزة “اليونسكو- فيديريكو فيلّيني” هي الجائرة الأولى التي يتسلّمها پاولو تاڤياني لوحده، بعد أنْ كان قد تسلّم برفقة شقيقه فيتّوريو أكثر من جائزة دوليَّة من بينها جائزة “السعفة الذهبية” في مهرجان “كان السينمائي الدولي” في العام 1977 عن فيلمهما “الأب الطاغية”، وعادا ليفوزا في المهرجان ذاته بـ “جائزة لجنة التحكيم الكبرى” عن فيلمهما “ليلة القدّيس لورينسو” 1982، وجائزة “الدبّ الذهبي” في مهرجان برلين السينمائي الدولي 2012 عن فيلمهما “لا بُدّ لقيصر أنْ يموت “، الذي أنجزاه برفقة نُزلاء سجن روما المركزي. وكان مهرجان “فينيسيا السينمائي الدولي” قد منحهما في العام 1986 جائزة “الأسد الذهبي للحياة الفنّيّة”.
ولدى تسلمه جائزة “مهرجان لوكّا الدولي للفيلم” وجائزة “الحياة الفنّية” قال پاولو تاڤياني لإدارة المهرجان والجمهور في القاعة: “آمل أنّكم ستمنحوني جائزة أخرى عندما سأعرض لكم فيلمي الجديد الذي أُعدّ له، وسأُنجزه بالتأكيد”.
وسيكون هذا العمل الجديد هو الأول الذي يُنجزه پاولو بمفرده، بعد أنْ عمل لأكثر من نصف قرن برفقة شقيقه الأكبر فيتّوري تاڤياني. كان الأخوان قد أنجزا عملهما المشترك الأخير “قضيّة شخصيَّة” في العام الماضي وعُرض في الدورة التاسعة لمهرجان “روما السينمائي الدولي”.
وقد بلغ تأثر باولو تاڤياني أوجَّه عندما افتتح معرض الصور الفوتوغرافيَّة المُخصّص للاحتفال به وبشقيقه فيتّوريو، وقال: “إنّها المرَّة الأولى التي أشاهد فيها هذه الصور، وشعرت وكأنّني أُشاهد فيتّوريو أمام ناظري”.
وواضح بأنَّ ذلك التأثر ناتجٌ عن الاعتياد اليومي والتناغم المتواصل الذي عاشا في ظلّه منذ نعومة أظفارهما وحتى لحظة رحيل فيتّوريو. وقد سألتهما مرّة عن الأسلوب الذي يُنجزان فيه عملهما، فأجابا: “يبدأ الفيلم لدينا من فكرة أو من قراءة، وتنضج القصّة خلال حواراتنا اليوميَّة التي يمكن أنْ تستمر لأسابيع وشهور ونحن نجول برفقة كلبينا في حدائق روما”. وأضاف “لا نبدأ بالكتابة إلا بعد أنْ نكون قد استنفدنا جميع النقاشات. وتكون عملية الكتابة مشتركة، ولمجرّد الانتهاء من النص نقوم بتقسيم المشاهد بالتساوي، ونقوم بإنجاز تلك المشاهد بالتناوب، بصرف النظر عن أهميّة أو طول وقصر المشهد، وحين يعمل أحدنا لا يتدخّل الآخر بأي شكل من الأشكال، وقليلاً ما نتناقش بشأن المشهد بعد إنجازه، ناهيك عن إعادة تصويره”.
وقد بلغ التناغم ما بين باولو وڤيتّوريو تاڤياني درجة جعلت النجم “ألونسانفان” يعجز عن تحديد أيّ منهما هو فيتّوريو وأيّهما هو باولو، لذا فعندما كان يتّجه إلى أحدهما بسؤال يناديه باسم “باولو فيتوريو تاڤياني”.
وقليلة بالفعل هي المرّات التي التقيت فيها باولو تاڤياني دون فيتّوريو، ومن تلك المرّات عندما قرّر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منحه جائزة “الهرم الذهبي للحياة الفنّيَّة”، ولم يحضر فيتّوريو بسبب وعكة كانت ألمّت به في كانون الأول من ذلك
العام.
كنت معتاداً على لقائهما معاً، وغالباً ما كانت تتواجد معنا أيضاً لينا نيرلي تاڤياني، زوجة باولو ومُصمّمة الأزياء في أفلامهما، إلاّ أنَّ لقائي الأخير معه أكّد لي بأن فيتّوريو، وإنْ كان قد رحل عن دنيانا، فهو لا يزال إلى جوار شقيقه الأصغر، ولا بدّ أنْ تكون حواراتهما متواصلة كالعادة، وإلاّ لم يكن لپاولو تاڤياني الإفصاح عن المشروع الجديد، فحالة پاولو هذه تُشبه حالة زميله وصديقه المخرج الراحل جيلّو پونتيكورڤو، صاحب رائعة “معركة الجزائر” الذي أجابني عندما سألته عن العمل القادم ومتى سيُنجزه: “عندما أعثر على الموسيقى المناسبة يكون الفيلم قد صار جاهزاً!”، وإذا ما كان پاولو تاڤياني قد بدأ حواراته مع ڤيتّوريو تاڤياني، فإنَّ الفيلم الجديد سيكون جاهزاً، لا ريب، عمّا قريب، ولا أستبعد أنْ يحمل اسم ڤيتوريو إلى جوار اسم پاولو تاڤياني، على الأقل في ما يخصّ قصة الفيلم.