{قطع الطريق} على المسافرين.. كرمٌ سودانيٌّ في رمضان

استراحة 2023/04/04
...

  الخرطوم: أ ف ب

يحرص السودانيون خلال شهر رمضان على الخروج بالطعام والشراب إلى الشوارع وتناولهما في تجمعات كبيرة مع المارة وعابري السبيل خاصة على جانبي الطرق السريعة.

وظلت عادة قطع الطرق السريعة لتوقيف المسافرين الصائمين، عصية على الاندثار أو التأثر بتقلبات السياسة وتدهور حالة الاقتصاد، وأصبحت تلك العادة لافتة للانتباه وانتشرت في المدن والقرى والأحياء والأسواق.

ورغم الظروف الاقتصادية التي يواجهها السودانيون في الفترة الأخيرة، إلا أنها لم تمنعهم عن ممارسة هذه العادة المحببة إلى نفوسهم في شهر الصيام.

ودأب السودانيون منذ عقودٍ، عند حلول شهر رمضان على جمع ما لديهم من طعام وشرب والخروج به للشارع لمشاركة الآخرين وجبة الإفطار الرمضاني، عملا بمقولة "الجود بالموجود".

وتظهر مشاهد توقيف سكان قرية "الجديد عمران" بولاية الجزيرة (وسط) لحركة السيارات بكل السبل المتاحة من أجل إنزال الصائمين لتناول الطعام والشراب.

قبيل موعد الإفطار بدقائق معدودة، يقف شباب القرية إلى جانب طريق السفر الطويل وهم يلوحون بأيديهم لإيقاف أصحاب السيارات وإقناعهم بالنزول لتناول وجبة الإفطار واحتساء الشاي والقهوة ومن ثم مواصلة الرحلة.

وسكان القرية الواقعة على طريق سريع يربط العاصمة الخرطوم بمدينة مدني (وسط)، يجتهدون في إنزال الركاب المسافرين مثل غيرهم من السودانيين الذين يسكنون بالقرب من الطرق القومية التي تشهد حركة مستمرة في كل الأوقات.

ويعمل سكان القرية على توقيف أكبر عدد من المسافرين الصائمين وقطع طريق السيارات بالوقوف أمامها بكل الوسائل الممكنة رغم تعريض حياتهم للخطر، وبعد الموافقة على النزول من المركبات وفقا لرغبات سكان القرية الملحة، يبدأ المسافرون في الذهاب إلى المناطق المخصصة لتناول الإفطار.

وهذه الأماكن مجهزة خصيصا منذ انطلق الشهر الكريم، لاستقبال عابري السبيل على جانبي الشوارع والميادين العامة، وتكون منظفة جيدا ومحاطة بقطع من الحجارة الملونة، أو تكون على هيئة مسجد في الهواء الطلق مجهز بمحراب للصلاة.

وعلى جوانب شوارع القرية، يبدأ الضيوف في "وجبتهم الإجبارية" عادة بتناول التمر، ثم "البليلة" وهي وجبة حمص مخلوط بأنواع أخرى من البقول المسلوقة مضاف إليها التمر وهو طعام لا غنى عنه في رمضان.

بعد التمر و"البليلة" يتناول الصائمون عصير الليمون إذا كان الجو حارا أو "الشوربة" إذا كان الطقس باردا، وتلي ذلك الوجبات العادية وأشهرها "الويكة" وهي نوع من البامية مع "العصيدة"، وهناك أيضا إدام يسمى بــ"ملاح الروب" وهو عبارة عن لبن رائب ممزوج بقليل من عصارة الفول السوداني، إضافة إلى "القراصة" المصنوعة من القمح مع الإدام.

ويعتبر طبق العصيدة من الوجبات التقليدية عند أهل السودان ويتكون من خليط عجين الذرة المطهي ويؤكل مع طبيخ "التقلية" ذات اللون الأحمر ومكوناته تتألف من البامية المجففة المطحونة وتسمى "الويكة" مع اللحمة المفرومة.

وبعد تناول طعام الإفطار، يحتسي المسافرون الصائمون الشاي والقهوة، قبل أن يودعوا أهل القرية الذين سيستعدون بعدها لأداء صلاة التراويح.

وقال علي الطيب أحد سكان القرية "قريتنا على الشارع ونتمسك بتقديم المائدة الرمضانية للمسافرين وعابري السبيل، ونقدم وجبة الإفطار خاصة وأن هناك مسافرون سيواصلون رحلتهم إلى مسافات بعيدة". وأوضح "هدفنا استقبال أكبر مجموعة من الضيوف المسافرين خلال شهر رمضان، ونشعر بسعادة بالغة كلما استطعنا إيقاف مجموعات كثيرة من المسافرين، هذه عاداتنا ونحب لها أن تستمر".

ويتميز رمضان في السودان عادة بموائد الإفطار الجماعية التي لا تنتهي بالأكل والشرب والصلاة، وإنما تتعدى ذلك إلى مجالس سمر تستمر في الغالب إلى أوقات متأخرة من الليل، فإلى جانب المشاركة في الإفطار تكون هناك مشاركة في الحوار وتبادل الآراء، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في توطيد العلاقات القائمة بين الناس وينسج علاقات جديدة مع غيرهم.

هذه الدوافع الدينية والاجتماعية إلى جانب التشبث بالثقافة الأصلية جعلت السودانيين لا يفرطون في عاداتهم الرمضانية ويحيونها في شهر رمضان من كل عام على امتداد عقود، ولم تتغلب قسوة ظروف المعيشة وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية خصوصا في شهر الصيام على هذه الدوافع وعلى العادات والتقاليد الراسخة في المجتمع السوداني.