جاسم الزبيدي.. معرفة الواقع وإيحاء الصورة

ثقافة 2023/04/04
...

 خضير الزيدي 


تكمن قيمة المصور جاسم الزبيدي فيما يتركه من آثار فنيَّة تليق باسمه وبالفوتوغراف العراقي، فقد أنجز لنا عشرات الصور التي بقيت في ذاكرتنا وكانت بحق تنقل تصوراً عن واقع معيش مليء بالبؤس والانكسار والتشرّد والجوع. 

ولعل توظيفا مثّل هكذا ظواهر لم يكن نتاج تشهير وتعريه إنّما جاء كخطاب استدلال وتوضيح ومعايشة عن كثب مع الغالب من هذه الشرائح المجتمعيَّة ولكن ما يتوصل مع الكاميرا والعين وسرعة وبديهة الالتقاط غير الوصف. 

فهناك ابتكار فني ومحور يشتغل عليه جاسم الزبيدي يمثل أسلوبا وطريقة ذات هوية تخصّه، يكمن هذا المحور في مساحة الحوار مع ظواهر المجتمع واستعارة صورة الحياة لديهم لتكون وثيقة سيكولوجية وتاريخانية، فالمعروف عن العمل الفوتوغرافي أنه لا يحجب الحقيقة بقدر ما يتجول مع لحظات ودقائق مستوحاة مع أناس لهم طرائق معيشتهم، وقد تأكدت لنا هذه القناعة منذ أن قرأنا في مصادر النقد الفوتوغرافي بأنَّ المعرض الأول لهذا الفنان كان عام 1968 والموسوم بـ (قصة شعب) وهو يتخذ من الفلسطينيين وثورتهم توظيفاً فنياً. 

أقام الزبيدي العديد من المعارض الشخصية والمشتركة وتفرد بطابع ميّزه عن الآخرين فقد كانت صوره ذات لون مغاير ومغامر في ذات الوقت ويحسب له أنّه يعد من الرعيل الثاني الذي زاوج بين مفهومي الحداثة والهوية في جوانب الفن الفوتوغرافي، وما يشدنا في واحدة من أعماله أنّه عالج الطفولة بشكل مختلف نقل لنا جزءا من طبيعة الأجواء الاجتماعية مع قراءة لملامح الوجوه المنكسرة والعفويَّة الحاملة للخمول والدهشة ساردا لنا عبر الكاميرا مفاصل يومياتهم. 

بقيت لوحاته الفوتوغرافية تحكي قصصا مثيرة وتمثل للمشاهد حالة من التعاطف، وهذا ما جعلنا نحب ونتابع منجزه القديم ومن يراجع تلك الصور سيجد نفسه أمام بلاغة ومهارة تعيد لنا الاستعارات الأسطوريَّة لحياة قبائل ومتشردين عرفهم التاريخ، وهذه السمة المميزة جعلته اقرب للتوجه من اي شخصية موثقة لمراحل التاريخ، فهو يدفع بالكاميرا لالتقاط أدق تفاصيل الوجه وأكثر إحراجاً ويقف عند ملامح البؤس ودافعه هنا الجانب الانساني وليس الفني، فهو يجد أن نجاح أي مصور يكمن في المهارة والتقاط أدق الجزئيات لملامح الإنسان والاحاطة بها. بقيت الصورة الموثقة لهذه المقالة أن تقول إنَّ أسفاره وترحاله في اكثر من مكان جاء على حساب نقل الاحداث الاجتماعية والمعيشية وربما استحضارها ذهنيا من خلال 

ما نراه. 

كان عطاؤه الفني سخيا وملتزما واقتفى آثار الرعيل الأول متابعا ومتأثرا ومتقبّلا لكل توجه جمالي وتعبيري من شأنه ان يمد المتلقي بالجديد.. هذا الفنان الماهر لم يتعاط مع الكاميرا بشكل روتيني يبقيه أسير الانشاء التقليدي بل عزز من مهارته في التصوير حينما رأينا له أكثر من تحول وبالمقابل حافظ على أسلوبه الذي يغوي الآخرين به كانت خياراته تلزم من يشاهد أعماله أن يبقى مشدودا للعودة الى رؤيتها ثانية، لن نجد زيفا في ما يحيط بها وهي بمثابة مجابهة جاءتنا نتاج تفهم لقراءة أحوال الحياة الماضية قبل سنوات عديدة وفي أكثر من بلد خارج العراق وأعتقد أنّه يتفرّد بمكاسب جمالية وفنية من خلال وعيه وفهمه لعالم التصوير، فالغواية التي يبحث عنها في فنّه تجعله غير متسرّع في التقاط الصورة وإدراكه لبعد العمل فنيا يجعله هو الاخر يتأنى بالابتعاد عن أية فجوة تلاحقه يحدث كل ذلك، لأنّه محاط بصدق المشاعر وهو يمارس دوره الفني. 

لقد أملت عليه ذهنيته وامكانياته الفنية أن يحاط بفهم خالص لمرحلة الفوتوغراف وإدراكه ويمضي بخطوات الفنان الذي يعرف كيف يحمل الكاميرا بين يديه وأين للعين أن تسقط لتكون في مفازة من 

أمرها.