نداءاتٌ ثقافيَّة لمنع هدم سوق الحويش التراثي في النجف

ثقافة 2023/04/04
...

  صلاح حسن السيلاوي 


ينشغل المشهد الثقافي العراقي هذه الأيّام بما أشيع من قرار استملاك العتبة العلوية لمناطق محيطة بضريح الإمام علي ابن أبي طالب (ع) بهدف التوسعة، تشمل سوق الحويش التراثي الذي يمثل علامة ثقافيّة بارزة وذاكرة كبيرة تضم مكتبات متعددة وبنايات يرتبط معها كثيرٌ من أدباء وعلماء النجف والعراق على مختلف مشاربهم المعرفيَّة بذاكرة طويلة تعود الى ما يقارب 700 سنة هي زمن وجود هذا المكان التراثي الذي يعد واحدا من أهم أسواق الكتب في البلاد.الحديث الذي يدور في أروقة المؤسسات الثقافيَّة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي يطالب فيه المثقفون العتبة العلوية بالحفاظ على هذا المعلم وعدم تهديمه، كما ينتقد فيه كثير منهم المؤسسات الثقافيّة والجهات الحكوميّة بالتقصير أزاء ثقافة البلاد وعلامات ذاكرتها الماديَّة والمعنويَّة.  

تهديم وتشويه التراث النجفي 

الرئيس الأسبق لاتحاد أدباء النجف الشاعر فارس حرّام لخّص بعضاً من الموضوع فقال: القصة إنّ العتبة العلوية اشترت (ولا تزال تشتري) أملاك المدينة القديمة لغرض توسعة المناطق المحيطة بمرقد الإمام علي (ع)، وسوق الحويش يقع ضمن هذه المناطق، ومن ثم سيناله ما سينال تلك المناطق من الهدم.

ينقل بعض سكنة منطقة الحويش أن سعر شراء المتر الواحد من تلك المباني بلغ ستين مليون دينار عراقي. وتساءل حرّام بقوله: من لا يبيع؟

وأضاف موضحاً: بناءً على ما تقدم يكون تعامل العتبة العلوية مع الموضوع من الناحية القانونية صحيحاً لا غبار عليه. لكنّه من الناحية الثقافيَّة لا يمكن وصفه بأقل من جريمة ثقافيّة نكراء.

 منذ 2003، عوّدتنا المؤسسات في النجف على إهمال العمق الثقافي للمدينة، بشقيه الديني والأدبي. أقرب مثال دورات مجلس المحافظة والمحافظين، الذين لم يقوموا، واحداً بعد آخر، ببناء متحف كبير وحقيقي يجمع تراث المدينة العظيم ومخطوطاتها التي تُعدُّ بمئات الآلاف وهي تتعرض يومياً إلى مخاطر التلف والفقدان والبيع خارج العراق. لم يستمعوا لنداءاتنا – في اتحاد الأدباء - بمنع تشييد الفنادق العالية المحيطة بمرقد الإمام علي، بحيث حجبت رؤيته، وقد كان يرى على بعد آلاف الأمتار. لم يسمعوا نداءاتنا بإصدار خارطة بالبيوتات التي بقيت لعلماء النجف وأدبائها السابقين، لتتحول لاحقاً إلى متاحف لهم؛ لم يستمعوا لنداءاتنا بإصدار دليل لمقبرة النجف، فيه أسماء أبرز المدفونين من علماء وأدباء وسياسيين وشخصيات عامة، عراقيين وعرباً وأجانب، لتكون لاحقاً مزارات تكريم لهم؛ لم يستمعوا لنداءاتنا بتشييد مبنى خاص بتنمية المواهب العلمية والأدبية لأطفال النجف، من إجادة قراءة القرآن إلى تجارب الفيزياء والتشريح وفنون التعبير والتأليف؛ لم يستمعوا لنداءاتنا باختيار يوم خاص للثقافة في النجف، يحتفل فيه النجفيون بإرثهم العظيم.

وعن رأيه بدور مؤسسات النجف في رعاية تراث المدينة قال حرام مبينا: مؤسسات النجف، كلّها، عوّدتنا على إهمال تراث النجف، وهويّتها. والعتبة العلوية اليوم تنضمّ لها من دون رفة جفن.

ثم تساءل: ما يضرّ العتبة لو عزلت البيوت التي سبق أن عاش فيها علماء دين وأدباء؟ وعزلت سوق الحويش، أو في الأقل مكتباته التي لا تتجاوز الثلاثين مكتبة وأبقتها تراثاً روحياً وثقافياً للمدينة؟ كم من عالم دين، وأديب، وشاعر، وقائد سياسي، وزعيم اجتماعي، أسهمت مكتبات الحويش في تكوينه العلميّ والمعرفي؟ أهكذا يُجازى صاحب الفضل التاريخي؟

- سيقال إن التوسعة هدفها التخلص من زحام المناسبات الكبرى. والجواب: لدى المهندسين (العراقيين والأجانب) إمكانيات وأفكار مبتكرة لإيجاد الحلول والحيلولة من دون تهديم هذا السوق. ولدى العتبة أموال كافية للاستعانة بشركات عالمية تمنحها الحلول المبتكرة، إن لم تجدها عند المهندسين العراقيين، ونحن نشك في ذلك.

- أطالب أبناء النجف خاصة والعراقيين عامة، ومنظمة اليونسكو، برفع الصوت عالياً لإيقاف جريمة تهديم وتشويه التراث النجفي، تلك التي ابتدأتها مؤسسات صدّام في الثمانينات والتسعينات، وتكملها الآن مؤسسات ما يُسمى بـ «العراق الجديد». 


محو للذاكرة الوطنية 

الروائي أحمد سعداوي نشر على صفحته في «فيس بوك» رأياً عن الموضوع وما يجاوره من أفكار ذات صلة قائلاً: 

أغرب شيء في مسألة هدم الأماكن التراثية لصالح توسعة المراقد الدينية هو أن يستشهد الشيعي (المناهض للوهابية) بالرؤية الوهابية التي نفّذت في توسيع المسجد النبوي بالمدينة المنوّرة. وهي رؤية استمرت - حسب معلوماتي القاصرة - حتى العام 2002. وكان من ضحاياها عمائر وبيوت ومساجد عمرها مئات السنين.

والآن يدرك القائمون على التراث في السعودية فداحة الخسائر التي تسببت بها الرؤية الأصولية الراديكالية في التعامل مع التراث..

الشيء الثاني هو الكلام المخاتل عن أصل المكان: فهو ضريح ديني، لذا (فلا قيمة) للعمائر من حوله بالقياس إليه، فأهميتها مستلفة من أهمية الضريح.

وهذا الكلام في الحقيقة يتجاوز اشكالات كثيرة، منها: أن أهمية هذا الضريح أو ذاك المرقد جاءت بسبب «انتخاب» يقوم به النشاط البشري أبتداءً. ومن الممكن أن تكون هناك أماكن عظيمة في ذاتها ولكنها اندرست وذهبت، بسبب أن النشاط البشري لم يولها اهتماماً.

والأمر الآخر: إن أهمية مقام ديني لا تتعارض مع الأهمية التاريخية والتراثية للعمائر المجاورة له، فلا مفاضلة أصلاً..

إن إهمال وتعمد اتلاف الاماكن التاريخية والتراثية كما يحصل في طول البلاد وعرضها هو جزء من عملية التخريب للهوية العراقية، ومحو لأجزاء مع الذاكرة الوطنية ومحو للأواصر النفسية والعاطفية بين الناس والأرض والتراث والهوية.  


سوق مرصع بخطى العلماء 

الأمين العام لاتحاد أدباء وكتاب العراق الشاعر عمر السراي قال: يزيد عمره على 700 عام ، سوق الحويش.. السوق القديم الثقافي الذي مازال جلده مرصّعاً بخطى العلماء والأدباء والمثقفين والباحثين.. 

تتنادى الأصوات اليوم للحفاظ عليه بوصفه معلماً تراثياً ثقافياً مهمّاً، فتوسعة العتبة العلوية المقدّسة مخططٌ لها أن تصل إليه، وعلى الرغم من شرائه من أصحابه الشرعيين، وعلى الرغم من ضرورة إجراء التطوّر العمراني بما يستوعب الزوّار، إلا أن ما لا يمكن تعويضه هو التاريخ. 

التاريخ الذي لو امتلكت أية دولة مبنى يصل عمره إلى ربع عمر هذا السوق لحافظت عليه ورممته وخططت ليكون جزءاً أساساً تدور حوله الخطط المعمارية لا عليه. 

أتحدّث عن سوق للكتاب والثقافة والعلم، بحجم شارع المتنبي وسوق السراي ببغداد، ألا يستحق هذا السوق أن يكون من ضمن العناية التراثية؟ 

ألا يستحق هذا السوق أن يكون ركناً مهمّاً من أركان الحضارة المستدامة؟ 

أيها الأحبّة.. إن عظمة المدن في عراقتها وبساطتها الموغلة بالرسوخ التاريخي.. والعواصم العظيمة لا يصنعها الكونكريت، إنّما تصنعها الآداب والفنون والعلوم. 

لذلك أدعو جادّاً ومحبّاً كل من بيدهم زمام الأمر في ما يخص سوق الحويش إلى الحرص على بقائه وعدم إزالته، فهو مَعلَمٌ ثقافيٌّ سياحي مهم، وفيه من الذكريات ما لا يمكن تعويضه بأي بناء. 

رمّموا هذا السوق، ودعوه يكبر أكثر، وليكن مدار ارتياد كل محبّي المعرفة والعلم، في مدينة باب العلم عليّ عليه السلام. 

زيّنوا هذا السوق برموزه ورجالاته ومَن مرّوا به عبر مئات السنوات، فقد وهبنا الزمن كل هذا المجد العميق، وعلينا أن نثابر من أجل ديمومته وارتقائه. 


هوية النجف الثقافيَّة

الكاتب عز الدين محمد قال: هناك شارعان شهيران في العراق، ارتبطا بالمعرفة وبالهوية الثقافية للبلد، وهما شارع المتنبي في بغداد وشارع الحويش في النجف. ما يميز سوق الحويش أنه رغم وجوده في مدينة دينية بمعظم تفاصيلها إلا أن مكتباته تحتوي كل شيء، ويمكن ان تجد كتبا ومصادر عن كل التوجهات الفكرية القديمة والحديثة. فكتب اهل السنة ومصادر الحديث والفقه والاصول وكتب ابن تيمية ومدرسته وغيرها تجدها متوفرة من دون أي تحسّس.

الآن هناك مشروع لتوسيع الصحن العلوي الشريف يتضمن ضم جزءٍ مهم من سوق الحويش يفترض ان يتم تهديمه لالحاقه به، رغم ان مساحة الصحن كبيرة جدا وتتسع لاعداد هائلة من الزوار. ومن ثم فإن من غير المفهوم أن يتم التوسع على الاقل في هذه المرحلة في مدينة يمكن وصفها بأنها منكوبة واقرب شاهد على ذلك ما حصل فيها قبل اقل من اسبوع عندما غرقت بسبب زخات مطر.

يفترض أن تكون العتبة جزءا من الدولة ولا تعمل باستقلالية، وأن تكون هناك مراعاة للمصلحة العامة، ولهوية المدينة الثقافية التي يعد سوق الحويش أحد أبرز معالمها. ويفترض بالسلطة أن تدرك أن الامم والشعوب تعتز بآثارها وتحميها، وتقوم بترميمها والترويج لها وأما تهديم الآثار وتحطيم صور الجمال فهو عمل تخريبي ولا يمكن وصفه بغير ذلك.


لا ترتكبوا خطأ الأنظمة السابقة 

الشاعر عبد المنعم القريشي قدم رأيا قال فيه: تحمل الامكنة في تكوينها التاريخي والاجتماعي والمعماري جزءاً كبيراً من هويتها وتحولاتها وتوتراتها وأزمنتها، كتغيرات في جدل الإنسان والمكان، والفعل الانساني في قلب فضاءات المدن. والمدن القديمة حاملة لهوياتها المتعددة، وطبقاتها الاجتماعية، وتحولاتها الثقافيَّة.  إنَّ الأمكنة التراثية وخاصة الثقافية منها هي جزء من الذاكرة الجمعية، بل أحد مكونات الهوية الوطنية، والحفاظ عليها جزء من سياسة الأصالة والتكوين التاريخي للهوية، ومع الأسف عمدت بعض الأنظمة السلطوية إلى التعامل بلا مبالاة مع التراث المادي من دون النظر الى محمولاته الاثرية والحضارية، فيلجأ بعضها الى هدم أو تغيير هوية وثقافة المكان.

إنَّ القيم الجديدة لا يمكن أن تنضج من الفراغ، من دون الارتكاز إلى ذاكرة جمعية يمثلها المكان، فقد شعرت أغلب الدول المتقدمة بهذا الأمر، فحافظت على معالمها العمرانية والثقافية، كما حدث في فرنسا وبريطانيا والنمسا وايطاليا وبولندا والمجر وسويسرا، وسعت هذه الدول إلى الحفاظ على مدنها القديمة وما يدل على معالمها الثقافيَّة.

ويأتي اليوم، الخبر الصادم، بهدم (سوق الوراقين/ سوق الحويش) الذي هو ذاكرة النجف الثقافية، والذي هو امتداد لسوق الوراقين في العصر العباسي، فهل يعقل أن أبناء النجف الذين يعتزون بتراث آبائهم وأجدادهم يرتضون أن تقوض ذاكرتهم التاريخيَّة والثقافيَّة المشعة. 

إنَّ (سوق الحويش) الذي يضم العشرات من المكتبات، ما هو إلا ذاكرة نجفيَّة بل عراقيّة وعربيّة وإسلاميّة حيّة، فهل يعقل أن تهدم ذاكرة شعب، ليسبح في فراغ الظلمات. حافظوا على تاريخ المدينة. اتركوا هدم الهوية المميزة لها. لا ترتكبوا الخطأ نفسه، الذي ارتكبته الانظمة السابقة، بهدم جزء كبير من معالم النجف الدينيّة والثقافيّة

والمعماريّة. 


مررت به مخطوف القلب 

الشاعر الدكتور نصير غدير تحدث عن أهمية هذا المكان وأثره في حياته ومدى ارتباطه به فقال: لا تخلو زيارة لي للنجف مهما كانت خاطفة، من زيارة ولو لدقائق للحويش، المكان الذي أخذ من حياتي شهوراً وأياماً بساعات طوال في القراءة وشراء الكتب، والتأمل في المواقع التاريخية والمناقشات الدينية والصوفية والتاريخية والسياسية واللغوية والأصولية والفلسفية والمنطقية وكذلك

الأدبية.

أمس مررت به مخطوف القلب بعد أنباء عن محاولة إزالته لتوسعة العتبة العلوية، من دون معرفة مدى صحة الأمر، وهو مبلبل لنا، إذ أخبرني أحد الأخوة  في مكتبة الإمام الحكيم: أن هذا أمر غير ممكن، فلا المرجعيات سترضى به، ولا أهل النجف، وربما أمر الإزالة سينال بعض المحلات والمطاعم الآيلة للسقوط من دون قيمة تاريخية بمحاذاة الصحن الذي تمّت توسعته باتجاه بحر النجف من خلال صحن فاطمة.

فالمحلة والسوق تحتويان على مواقع ذات قيمة أثرية وتراثية وثقافية كثيرة، منها مقامات علماء، ومنها مكتبة الإمام أمير المؤمنين ومكتبة الإمام الحكيم ومدارس حوزوية منها مدرسة الأنصاري، ناهيك عن سوق الكتب والمطابع، فضلاً عن المباني الأثرية التي يمتد عمر بعضها لثمانية قرون وأكثر، وكانت مسرحاً لأحداث سياسية وتاريخية وعلمية كبيرة على امتداد قرون.


قرار متسرع وخسارة فادحة 

أمين الشؤون الادارية في اتحاد أدباء وكتاب النجف القاص أحمد الموسوي قال: هدم سوق مكتبات الحويش قرار متسرع خسرت فيه النجف إرثاً هائلاً وسوقاً ثقافية، شكل علامة فارقة لسنين طوال في مدينة علمية ثقافية أدبية بامتياز.في كل بلدان العالم لا يحق لمالك عقار يشكل إرثاً ثقافياً أن يتصرف بملكه، لأنه يملك القيمة المادية لهذا العقار ولا يملك القيمة الثقافية، لذلك فالدولة تعوضه مادياً وتحتفظ بتراثها الثقافي.


المدينة التي حاصرتها المقبرة 

الشاعر حمدان طاهر تحدث عن رفضه لهدم سوق الحويش وانتقل بالحديث منه إلى واقع مدينة النجف الخدمي منتقدا ما وصفه من غرق للمدينة في أمواج من القبور فقال: تداول العديد من الأصدقاء في محافظة النجف الأشرف منشورات حول تهديم سوق الحويش، السوق الذي يمتد عمره إلى مئات السنين، التهديم أو (الكص) باللهجة العراقية الدارجة ستقوم به العتبة العلوية بحجة توسعة الحضرة العلوية، وهي ليست حجة كافية لهدم تاريخ وآثار المدينة القديمة، أغلب الدول تحافظ على البنايات والبيوت القديمة حتى لو كان عمرها مئة عام فما بالك بمعالم عمرها مئات السنين،  النجف تعني علي بن ابي طالب المثال الذي لايتكرر، تعني العلم ودور العلماء والحوزات الرصينة، تعني الشعر والأدب وعلم الكلام وهي مثوى لملايين الأرواح من أموات وشهداء وعلماء من كل بقاع العالم. كلما زرت النجف تألمت على حالها، مدينة منكوبة لا طرق جيدة فيها، لا نظافة حتى قرب الحضرة الشريفة، النجف إخوتي وأصدقائي قبل موضوع هدم الحويش تعاني من كارثة كبيرة تحيطها من كل جانب إلا وهي مقبرتها التي أكلت المدينة وجعلتها مجرد شظية جغرافية عائمة وسط محيط وبحار من القبور، ماذا لو قدمت العتبة مشروعاً لوقف الدفن في النجف الأشرف وجعل مقبرتها حكرا لأبناء النجف، وبناء مقبرة في كل محافظة، صحيح أن الموضوع تحيطه صعوبات كثيرة وهو خط أحمر للكثير من الناس، لكن المدينة ستموت لو استمرت هذه المقبرة بهذه التوسعة الخرافية على حياة الناس، هذا المشروع يمكن أن تتبناه وتدعو له المرجعيات الدينية بالتعاون مع الحكومة المحلية في النجف والحكومة المركزية والأمر ليس مستحيلاً، النجف تمثل لكل العراقيين الامتداد الروحي والإنساني ولايمكن أن تترك لمصير مجهول.


السوق المنساب كنهر متعرج 

الشاعر حسين رهيف قال: لا أستطيع أن أستوعب ولا أتعرّف على مدينة النجف بلا هذا السوق المنساب كنهرٍ يتعرّجُ في محلة الحويش، يغترفُ المنتهلون من ضفتي كنوز مكتباته، ومن عبق مساجده وحسينياته التي درجتُ فيها وأنا طفلٌ صغير بفرح غامر ولغة أتعلّم أصولها على يد مشايخ الحوزة العلميّة في مسجد الهندي والشيخ الأنصاري والسبزواري، تعلمتُ فيه هدوء العلماء وتواضعهم، ومتعة التزوّد بالعلم، وتلمّستُ جذور مدينتي وتاريخها العميق، فلا أستطيع أن أتعرّف على مدينتي إذا ما مُحيَ هذا المَعْلم والمُعلّم الصامت، لذا فإنّ روحي تأبى وقلبي يرفض ما سيتعرّض له من هدم تعتزمه العتبة، وأدعو إلى التريث ودراسة المكان هندسياً بحيث لا يؤثّر في زائري المرقد المشرّف.