فتحي عبدالعزيز محمد: سينما التاريخ مصدر معرفي وثقافي

ثقافة 2023/04/05
...

حاورته : ضحى عبدالرؤوف المل


عند الحديث مع الباحث في تاريخ العصور الوسطى الكاتب المهتم بالدراسات حول سينما التاريخ لا بد من الوقوف أمام السينما المصرية ، فمصر بحكم أنها أول دولة عربية تدخل مجال صناعة السينما وبحجم انتاجها الكبيرعلي امتداد قرن من الزمن تُعدُّ هوليوود الشرق وبعيداً عن التاريخ الحقيقي لبداية السينما المصرية يمكن لنا اختيار عام 1927 حيث صدر فيلم ليلي كأول فيلم روائي والبداية نسائية فمخرجة الفيلم وبطلته  ومنتجته ومؤلفته هي الفنانة عزيزة أمير وتدفق تيار الأفلام المصرية  بصورة مطّردة لتبرز كلاسيكيات السينما التي احتلت الذاكرة العربية غير أن السينما حالياً تقلَّص حجم انتاجها في زمن نحن في حاجة إلي مزيد من الأعمال الفيلمية في مواجهة المنصّات التي ظهرت وأصبح بإمكانها أن تدخل إلى المشاهد في عقر داره من خلال التلفزيون والاسطوانات المدمجة لقد أصبحت الهوية في مواجهة خطر مثل تلك الأعمال الوافدة بما تبثُّه من قيم وأنساق حياة مغايرة تماماً لقيمنا ونمط حياتنا وإن كانت الظروف لا تسمح بتقديم فيلم التاريخ لما يتطلَّبه من تكلفة عالية فلنعوِّل علي الفيلم الروائي الذي بمقدوره الحفاظ على الهوية .فالدكتور فتحي عبدالعزيز محمد قد اختبر كل معطيات تاريخ السينما العربية بشكل خاص والسينما العالمية بشكل عام ومعه قد أجرينا هذا الحوار

عند الحديث مع الباحث في تاريخ العصور الوسطى الكاتب المهتم بالدراسات حول سينما التاريخ لا بد من الوقوف أمام السينما المصرية ، فمصر بحكم أنها أول دولة عربية تدخل مجال صناعة السينما وبحجم انتاجها الكبيرعلي امتداد قرن من الزمن تُعدُّ هوليوود الشرق وبعيداً عن التاريخ الحقيقي لبداية السينما المصرية يمكن لنا اختيار عام 1927 حيث صدر فيلم ليلي كأول فيلم روائي والبداية نسائية فمخرجة الفيلم وبطلته  ومنتجته ومؤلفته هي الفنانة عزيزة أمير وتدفق تيار الأفلام المصرية  بصورة مطّردة لتبرز كلاسيكيات السينما التي احتلت الذاكرة العربية غير أن السينما حالياً تقلَّص حجم انتاجها في زمن نحن في حاجة إلي مزيد من الأعمال الفيلمية في مواجهة المنصّات التي ظهرت وأصبح بإمكانها أن تدخل إلى المشاهد في عقر داره من خلال التلفزيون والاسطوانات المدمجة لقد أصبحت الهوية في مواجهة خطر مثل تلك الأعمال الوافدة بما تبثُّه من قيم وأنساق حياة مغايرة تماماً لقيمنا ونمط حياتنا وإن كانت الظروف لا تسمح بتقديم فيلم التاريخ لما يتطلَّبه من تكلفة عالية فلنعوِّل علي الفيلم الروائي الذي بمقدوره الحفاظ على الهوية .فالدكتور فتحي عبدالعزيز محمد قد اختبر كل معطيات تاريخ السينما العربية بشكل خاص والسينما العالمية بشكل عام ومعه قد أجرينا هذا الحوار

 

- هل تختبر قيمة الأفلام من خلال ما تمارسه من نقد أم أنك تتذوق العمل السينمائي لتترك بعد ذلك انطباعاتك عنه؟

 *الحقيقة أنني لا أتعامل مع كل الأفلام فتلك مهمة أساتذة النقد السينمائي ولهم منهجهم ولكني بحكم دراستي أتعامل مع  فيلم التاريخ الذي يستمد مادته كما هو ظاهر من حقب تاريخية   ثلاث وهي التاريخ القديم والتاريخ الوسيط والتاريخ الحديث والمعاصر والتي تجذَّرت في ذاكرة الأمم ووعيها وأفضِّل هنا استخدام مصطلح فيلم التاريخ على عبارة الفيلم التاريخي التي قد تستخدم للدلالة على قيمة الفيلم وليس مادته وربما الإثنين معا، وتجدر الإشارة إلى وجود ثلاثة أنواع من فيلم التاريخ وهي الفيلم الروائي الذي يُمثِّل درامياً مرحلة ما مثل فيلم وا إسلاماه أو الناصر صلاح الدين والفيلم الوثائقي وفيلم السيرة الذاتية. أياً ما كان الأمر فإن تقييم أو تقويم فيلم التاريخ الروائي . يبقي الأساس  لما له من شعبية لدى رواد السينما الذين رأوا فيه مصدراً للمعرفة التاريخية بما يقدمه لهم من تفسير للماضي بعيداً عن جمود النص وكتب الدراسة ففي قاعات العرض يبدو الأمر وكأنك تشاهد الماضي من خلال شرفة أنت ترى الأبطال وقد غادروا صفحات الكتب بأزيائهم وأبهتهم، وتنخرط في أحداث لم تعشها وسرد مرئي ممتع. وأتصور أن عملية تقييم فيلم التاريخ هي من صميم عمل المؤرخ أو هكذا يجب أن تكون لما له من خبرة اكتسبها من أبحاثه ودراساته في مجال تخصّصه غير أن ذلك لا ينفي ضرورة تعلم المؤرخين كيفية تحليل أفلام التاريخ التي تشكل أحساس العديد من المشاهدين بالماضي، والمتتبع لمسار نقد الفيلم يتبين له أن الكتابات الأولى كانت تعبيراً عن انطباع المؤرخ الناقد الذي كان يسعى إلى معرفة مدى التزام صناع الفيلم بالحقيقة التاريخية مما يسئ إلى الفيلم والتاريخ معا و يفقد الفيلم أكبر ميزاته كعمل فني ومنتج ثقافي  ولعل المحاولات لوضع معايير لنقد فيلم التاريخ وصلت إلى صورة مثلى علي يد روبرت روزنستون الذي يرى أن فيلم التاريخ هو بالفعل طريقة لممارسة التاريخ إذا كنا نعني بعبارة ممارسة التاريخ محاولة جادة لإضفاء معنى على الماضي. وعلينا ألا نتعامل مع التاريخ المرئي بنفس تعاملنا مع التاريخ المدون فالأفلام ليست مرايا تعكس التاريخ المكتوب لكنها إنشاءات  تختلف قواعد ارتباطها بالضرورة بآثار الماضي عن قواعد التاريخ المكتوب وأعتقد أن قراءة الفيلم أو تقييمه لابد أن تتم بطريقة تعترف بتقاليد إعادة كل من التكوينات السينمائية والنصية للأحداث الماضية وعليه لابد من الإلمام بطبيعة الوسيط (الفيلم).


- ماذا عن المجلات المتخصصة في عالم السينما ودورها في نقد الأفلام وهل كان لها الأثر في اتجاهك نحو ذلك العالم؟

من المعروف أن كثيراً من الصحف العربية كانت ولا تزال تفرد مساحة لمراجعة الأفلام لكنها قد تكون غير كافية لذا ظهرت  في عالمنا العربي كما في الغرب مجلات متخصصة في تناول الفيلم  بالنقد والتحليل  فنرى  منها في مصر مجلة عالم السينما صدرت عام 1925 غير أنها توقفت بعد ستة أعداد ومجلة  الكواكب ومجلة فنون وغيرها كثر ناهيك عن تلك التي كانت ولا تزال تصدر في لبنان ويلاحظ أن بعض تلك المجلات توقفت أيضاً ومنها من يقف علي قدميه ولدينا جديد، أحدث هذه المجلات مجلة الفيلم القاهرية والتي تصدر عن نادي سينما الجيزويت ويميزها أن القائمين عليها من المتخصصين في فنون السينما وأساتذة النقد السينمائي ولعل ذلك وراء نجاح تلك الدورية وهي تنمو بشكل مطرد فقد صدر منها وبشكل منتظم سبعة وعشرون عدداً  وبالنسبة لي فإن ما شدَّ انتباهي تجاه فيلم التاريخ والكتابة عنه عدة مراجعات للأفلام التاريخية على صفحات جريدة الجارديان بقلم مؤرخة بريطانية تدعى “اليكس فون تانزلمان” كانت تلك المرة الأولى التي عرفت فيها أن مؤرخاً ما يواجه فيلم التاريخ ويعمل علي تقييمه مما بعث بداخلي شعوراً بالارتياح لأني أحب السينما وكنت أرغب في الكتابة عن الفيلم ولكن مشروعية ذلك عندي توفرت بعد علمي أن تانزلمان تكتب عن سينما التاريخ فلأكتب إذن، ويبدو أن  ذلك قادني إلى عالم أرحب وهو عالم دراسات فيلم التاريخ وهو حقل بكر أسسه المؤرخ الفرنسي مارك فيرو وكان قد نشر عدة مقالات حول فيلم التاريخ و جمعها فيما بعد بين دفتي كتاب حمل اسم السينما والتاريخ ترجم مؤخراً إلى اللغة العربية. كان فيرو صاحب الفضل  في نشأة دراسات تدور حول سينما التاريخ بينما يبقى الدور الأكبر من نصيب  المؤرخ الأمريكي روبرت أ. روزنستون وإلى جانبهما روبرت توبلين وروبرت برجوين لتتوالى أعمال مؤرخين آخرين في أمريكا وانجلترا وألمانيا وأستراليا وتجاوزت كتبهم الألف كتاب بكثير وبالمناسبة أمكنني الإطلاع على جانب ليس بالقليل في ذلك الفن لكن يبقى السؤال  كيف حدث كل ذلك؟ وهل تستدعي سينما التاريخ كل هذا الكم من الكتب والمقالات هل أقبل المؤرخون على المشاركة وما حجم تلك المشاركة ولم يكن الأمر سهلاً في ظل إحجام كثير من المؤرخين عن الكتابة عن الفيلم ربما ترفعاً عن الأمر غير أن من أسهم في ذلك الميدان حقق الاحترام لدراساته ويبدو الأمر أكثر وضوحاً عندما نتذكر ما قامت به مجلة أكاديمية متخصصة في التاريخ من نشر دراسات ومراجعات حول سينما التاريخ هي مجلة أمريكان هستوريكال ريفيو ويعد هذا تحولاً خطيراً واعترافاً بقيمة الوسيط المرئي في تناول التاريخ. فعلاً كانت المجلات والمقالات وراء تحولي إلي دراسة دور السينما في تقديم التاريخ


- في هذا الإطار ما دور مؤرخينا في عالمنا العربي؟

في واقع الأمر أن قلة قليلة من المؤرخين في عالمنا العربي بل تحديداً في مصر من اهتموا بالدراسات القائمةعلى فيلم التاريخ ومن هؤلاء من يرى أن السينما كلها سجل لتاريخنا وهي رؤية شاملةعلى اعتبار أن ما تقدمه السينما من دراما بمثابة واقع (تاريخ) اجتماعي يمكِّننا من رصد شكل الحياة في  زمن انتاج الفيلم، وقد شهدت القاهرة في هذا الصدد أواخر العام 2019 ندوة بعنوان السينما تاريخ القرن أدارها المؤرخ محمـد عفيفي وحضرها المؤرخ عماد الدين أبو غازي والمؤرخ أيمن فؤاد سيد ويمكن أن نرجع إلى تاريخ أسبق حول الموضوع الأدق وسؤال هل لدينا أفلام تاريخية طرحته ندوة أقامها الناقد السينمائي هاشم النحاس ودعا إليها مؤرخين مصريين وفي رأيي المتواضع كانت دعوة ناقد سينمائي للمؤرخين لتناول فيلم التاريخ بالنقد هي دعوة تبين مدى الحرص على الطريقة التي يعرض بها التاريخ من خلال وسيط غير  الكتاب وسيط يصل إلى جمهور أكبر هم رواد السينما ....

 

- بين أول فيلم تاريخي من الثلاثينات وآخر فيلم حالياً ماذا تقول لنا عن ذلك؟

يثير هذا السؤال عدة قضايا أهمها لماذا اتجهت السينما إلى التاريخ ومتى جاءت البداية وما موقف المؤرخين من ذلك التوجه وهل يمكن للسينما كتابة التاريخ أو بشكل آخر هل هناك المخرج المؤرخ وعلى مدار الرحلة الطويلة من انتاج أفلام التاريخ ماذا صنعت تلك الأفلام برواد السينما. دعينا هنا نقدم الإجابة عن السؤال المطروح أولاً بصورة معكوسة لنضمن الإجابة على الأسئلة التي نجمت عنه أين وصلت سينما التاريخ مع اقتراب الربع الأول من القرن  الحادي والعشرين من نهايته، لحسن الحظ لدينا فيلم يليق بالموضوع انتج هذا العام وهو فيلم تمكن مخرجه أوقل مؤلف العمل من الاستفادة مما دار بين المؤرخين وصناع الفيلم من خلاف أواتفاق حول تقديم التاريخ على الشاشة هو النسخة الأخيرة لما يجب أن تكون عليه لغة السينما عندما يمارس المخرج تاريخاً لقد قرأ المخرج كل السيناريوهات ورفض الكل ليكتب هو سيناريو خاصاً به,يحمل الفيلم اسم ميديفال  Medievalالقرون الوسطى وهي بالمناسبة محور دراستي ولا شك أن تلك الصدفة تروقني. مخرج الفيلم هو التشيكي بيتر جاكل الذي علقت بذاكرته صورة البطل الشعبي يان زيزكا الذي تم تحويل قصته إلى الدراما وإضفاء الطابع الإسطوري عليها بأشكال مختلفة مرات عدة بما في ذلك عمل سينمائي في منتصف القرن الماضي من إخراج أوتاكار فافرا ويزعم بيتر جاكل أن ميزانية الفيلم هي الأعلى في جمهورية التشيك حتى الآن لقد جاء الفيلم مغايراً لأفلام دارت أحداثها إبان العصور الوسطي مثل المصارع وقلب شجاع. نحن هنا أمام مدرسة جديدة تقدم تاريخاً آخر وقرون وسطى أخرى مهما كانت التكلفة. تطلب هذا العرض المذهل والمكلف عدداً من القرارات الاقتصادية الإبداعية المُصاغة بما يتماشى مع أذواق الجمهور الدولي الحالي وإن كانت استعانة المخرج بممثلين من أمريكا وبريطانيا ـ كما ذكر الناقد دينيس هارفي ـ في أدوار رئيسة بالعمل قللت من الطابع الإقليمي المميز ومع ذلك نجح الفيلم باعتباره جزءاً رائعاً وحيوياً من التاريخ على الرغم من اختلاق شخصيات ليس لها وجود ضمن الأحداث الحقيقة . إن هذا الفيلم هو الشكل الأنسب لفيلم التاريخ بعد أن وصل إلى تحقيق المعادلة بين الصدق التاريخي والصدق الفني أو الموازنة بين الواقع والمتخيل. فماذا إذن عن أول فيلم تاريخ؟ ذكرت في سؤالك فترة الثلاثينات ولاشك أنك تقصدين أول فيلم عربي  لكني أفضل أول فيلم تاريخ من انتاج هوليوود فمنها بدأ تقديم التاريخ سينمائياً و يمكننا أن نتحدث عن فيلم ميلاد أمه  (1915) للمخرج د,و.جريفث وهو فيلم  صامت يعالج موضوع الحرب الأهلية في الولايات المتحدة من هنا كانت البداية حيث دأبت هوليوود بعد ذلك على استجلاب قصص أفلامها من التاريخ وبعد صراع بين المؤرخين وصناع الفيلم ورفض بعضهم استباحة التاريخ وخاصة المؤرخ لويس جوتشالك ونحن اليوم أمام تفهم متفق عليه من بين الجانبين حيث يشارك بعض المؤرخين في مشروع الفيلم. وبالنسبة لفيلم التاريخ العربي فإن أول فيلم كما هو معلوم كان بعنوان شجرة الدر عن رواية لجرجي زيدان والذي كتب أكثر من  رواية تاريخية. من متابعتنا لأفلامنا العربية التي تمثل التاريخ نجد أنها قليلة العدد بشكل مفزع وربما كان ذلك سبباً من  أسباب عزوف  المؤرخين العرب عن دراسات فيلم التاريخ أو بدلاً من ذلك تصيّد التاريخ الاجتماعي في الأفلام الروائية وإن أردنا متابعة باقي الأفلام التاريخية فذاك ليس بالعسير ولكن يكفينا الإشارة إلى فيلم في مجال تخصصي وهو الناصر صلاح الدين من إخراج يوسف شاهين وقد كتبت دراسة عنه عرضت لها في محاضرة بالجمعية المصرية للدراسات التاريخية كما نشرت في دورية الجمعية والخاصة بالدراسات التاريخية فقط وهذا يحسب للقائمين عليها كان هناك اهتمام من الحضور وشغف بهكذا موضوع مما يبين الحاجة لمواصلة البحث في أمر التاريخ والسينما أياً ما كان الأمر لم يكن يوسف شاهين أول من قدم صلاح الدين للسينما فهناك فيلم عنه للمخرج إبراهيم لاما وقد استعان في الفيلم بمشاهد من فيلم الحروب الصليبية للمخرج سيسل دي ميل وقد غاب الفيلم في غياهب النسيان وإن بقي منه ما كتب عنه من شذرات لا تغني ولا تسمن من جوع، وكان الأثر الأكبر لفيلم يوسف شاهين بما ترسَّب عنه من صورة ذهنية في عقلية المشاهد العربي ليس هنا مجال مناقشتها وقد قيل وما يزال يقال بشأنها الكثير ولكن هكذا يوسف تبقى أعماله مثيرة للجدل بما تحوي من رؤى وما تطرح من أفكار والواقع أن الرجل محظوظ فله عملان حول العصور الوسطى وهو  مالم يتأت لمخرج آخر أحدهما عن تلك العصور في الشرق وهو ما عرضت له تواً والثاني عن العصور الوسطى في الغرب (بلاد الأندلس) وهو فيلم المصير عن الفيلسوف المعروف ابن رشد والسؤال هنا هل قدم الفيلمان تاريخاً للعصور الوسطى حقاً دعنا نتفق علي أن هناك اختراعاً لما لم يكن موجوداً وأخطاء بعينها لكن أفلح في كليهما  في أن يوصل رسالة إلى مشاهديه جاءت الأولى في زمن التمزق العربي بعد انفصال الوحدة بين مصر وسوريا والثانية في مواجهة الإرهاب والتطرف الذي شهدته بعض الأماكن في مصر حينها وقد يكون ذلك مفسراً لماذا تحدث سكان الأندلس اللغة المصرية العامية في فيلم المصير.لك أن تقول إن شاهين لم يقدم العصور الوسطى ولن يفلح أحد آخر في ذلك فما نراه هو المتخيَّل لما كانت عليه أو يتمناه المشاهد إنها عصور وسطى أخري أو هي سينما القرون الوسطى


- ألم يؤرخ نجيب محفوظ روائياً ودرامياً ما يجعل من أعماله مادة تاريخية سينمائية لم تجد من يعتني بها بشكل أكبر

 لا تصلح الرواية أن تكون تاريخاً وأرجو ألا أكون صادماً لقد مثَّل الشعر كنوع أدبي تاريخاً وسجل لنا أيام العرب وعرف الشعر بديوان العرب هذا أمر طيب لكن كتابة التاريخ لها ضوابط وأسس تستقيم بها ويعوَّل عليها والروايات التاريخية ليست بالتأكيد عملاً تاريخياً وليس مطلوباً منها أن تكون كذلك إلا أن الرواية التاريخية لديها القدرة على زيادة إحساسنا بالماضي والمساعدة في الحفاظ على الاهتمام بالتاريخ على قيد الحياة.وهنا أتفق معك على أن أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ سواء الرواية التاريخية منها أم باقي أعماله هي مادة تاريخية سينمائية إن روايات نجيب محفوظ تتنفس تاريخاً ويمكن النظر إليها بمثابة تاريخ مواز يفسر إحساسه بتاريخ مصر الفرعونية ويبثُّ روح الحماسة في زمن عانت فيه مصر من مستعمر كان يرزح على صدرها وقد رسمت باقي أعماله صور الحياة في ظل ظروف عالمية ومحلية متلاحقة الأحداث فهناك الحرب العالمية الأولى والثانية وبينهما ثورة 1919وثورة يوليو وتحولات المجتمع ورصد كل ذلك في رواياته التي تمثل علامات بارزة في تاريخ الأدب العربي ولا غضاضة أن نقول إن بعضاً منها لم يُعالج سينمائياً بطريقة تناسب قيمتها واتفق معك تماماً في هذا الشأن إلا أن محاولة إعادة تمثيل العمل قد تكون جرأة في غير محلها ولدينا مثلاً  الثلاثية نحن في الثلاثية أمام عمل كلاسيكي رسخت صور أبطاله في ذهن المشاهد وأن أي محاولة لإعادة انتاج أيٍ منها لن تتمكن مهما كان شكل الاعتداد بها من تغيير الصورة وهو ما حدث عند انتاجها على الشاشة الصغيرة.ولعل التلفزيون أسهم في استمرارية تلك الصورة بتكرار عرض أفلام الثلاثية