الروائي المصري أدهم العبودي يرتق ثقوب مجتمعات عربيَّة لا تدين الرجال

ثقافة 2023/04/05
...

رابعة الختام

بين الواقع والتخييل ينسج الروائي المصري أدهم العبودي حدوتة متماسكة السرد والحبكة بلغة جنوبية فارقة.

“ما لم تروه ريحانة”، سردية مؤلمة وآسرة، وشيجة نفسية تضجُّ بالبوح المسكوت عنه تُجسِّد ما تعانيه النساء في مجتمعاتنا الشرقية، من ضغوطات وممارسات سلطوية، ترصد الصراعات الاجتماعية في إيران بتنويعاتها، عبر مأساة حقيقيّة للطالبة الجامعية ومصممة الديكورات ريحانة جبّاري التي أُعدمت في مقتبل عمرها، فصارتْ قصتها عنواناً للقهر ورمزاً لكل الحكايات المنسية.

ريحانة التي أصبحت أيقونة القهر والمآسي في المجتمعات الاستبدادية حيث العادات والتقاليد المُنحازة للرجال، والصراعات الاجتماعية تتغلغل  في شرايين المجتمع وتتمدد في خلاياه.. 

تكشف أحداث الرواية الدائرة في إيران، عن الكثير من المآسي والنزاعات السنية والشيعية، تعبر بمرارة عن القهر الخجول، الصمت الرافض المتواطئ، تحكي الرواية عن ريحانة جباري التي أعدمت، وهي بعمر 26 عاماً، بعد حبس احتياطي تجاوز السبع سنوات، وانتهاكها في السجن نفسياً وجسدياً، قسوة ومرارة التعذيب فصارت أيقونة للمآسي والقهر والظلم.

يستنبط “العبودي” من مشاهد غير مقصودة بذاتها حكايات ما وراء الحكي، فلترسيخ فكرة التعذيب في السجون والقهر في المجتمع الإيراني يفرد مساحات سردية لمشهد اغتصاب “ريحانة”. 

تشريح جراح لواقع قاسٍ تعيشه المعارضة الإيرانية، والصراعات بين السنة والشيعة وما يتلوها من مفردات الاضطهاد في إيران ككل، ودور المليشيات في تنفيذ تلك الخطط القمعية 

فكرة أن تكون ريحانة ذاتها هي الراوي. لتأكيد حجم معاناتها، فهناك تفاصيل مريرة لا يمكن ولا يتصور أن يرويها غير ريحانة نفسها، فهي تشرح اضطرابات نفسية ووجع وتعبير عن الذات لا يمكن لغيرها طرحه بهذا القدر من التفصيلية الموجعة، فلا أحد يمكنه تقدير حجم الألم الذي عاشته وحدها في زنزانة باردة الجدران مظلمة، تفتقر للحد الأدنى من الصلاحية للعيش الآدمي.

ريحانة عبارة عن مأساة متحركة تتكور وتتكوَّم، تتبعثروتلمُّ شتات نفسها، انفصال عقلها عن الواقع في مشهد اغتصابها لم يكن هروباً أو استسلاماً بقدر كونه ردة فعل انسحابية لعجزها عن المقاومة وسط هذه الأحداث المتدافعة والقوة والعنف المفرطين الذين استخدمهما رجال السجن اتجاهها.  

أقسى مشاهد الرواية لم يكن مشهد انتهاكها واستباحتها جسدياً كما يظن البعض، بل كانت ليلة الإعدام والتخبُّط في ما قبل استقبال الموت، إحتفالية الموت وترتيب الأحداث لأسرتها.         

كون أدهم العبودي قانونياً بإمتياز ساعده على تفكيك الأدلة القانونية والأسانيد والدفوع في القضية الأصلية، فقدم رواية متماسكة الأركان، متَّزنة الحكي والبناء،  

جديراً بالذكر أن هذا الحدث يرجع لعام 2007 ، انجذبت له الأنظار، وتهمتها قتل ضابط طبيب في  الاستخبارات الإيرانية، بسبب محاولته التعدِّي عليها، أو بشكل أصرح، حاول اغتصابها فقررت الدفاع عن نفسها بقتله، وأدانتها المحكمة غير عابئة بقدسية الشرف ودفاع الفتاة عنه.

الرواية تقدم الجانب المسكوت عنه من القصة، ما لم يرو بعد، التفاصيل التي لم يعرفها أحد، ما لم يسعها الوقت لروايته.

رحلة التنقل بين السجون الإيرانية والإخضاع والإذلال التي مرت بها أيقونة الإعدامات الإيرانية ريحانة جباري، التي نفذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام بحقها عام 2014، بعد قتلها لضابط  بالمخابرات الإيرانية، بعد محاولته التعدِّي عليها واغتصابها.

وترصد الرواية تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية في إيران، ونظرة المجتمع للمرأة، والتعاطي مع مشكلاتها، وتفضح الكثير من الانتهاكات بحق الأقلية السنية والاعتداءات والتجاوزات الأمنية، ظل “العبودي” على مدار أربع سنوات متواصلة يجمع مادته البحثية عن حياة ريحانة الطبيعية وعلاقتها بأسرتها، وتفاصيلها اليومية.

وصلت الرواية للقائمة القصيرة لجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع، وهي ترصد طبيعة المجتمع الإيراني من الداخل وتسليط الضوء على المتغيرات والملابسات التي أدت لإعدام فتاة لم تتجاوز السادسة والعشرين من عمرها كونها فتاة سنيّة في مواجهة ضابط استخبارات إيراني شيعي، ولم يساندها داخل المجتمع الإيراني، غير ثلة خجولة من دعاة  حقوق الإنسان في مجتمع قمعي.

يذكر أن أدهم العبودي محامٍ وروائي مصري، تخرَّج من كلية الحقوق جامعة أسيوط عام 2003، عضو اتحاد كتّاب مصر ومقرِّر لجنة القصة بالاتحاد.

صدرت للعبودي مجموعة قصصية “جلباب النبي” سنة2011، وعدة روايات منها “باب العبد” و”متاهة الأولياء” و”الطّيبيّون” وخطايا الآلهة” و”الخاتن” و”حارس العشق الإلهي” و”بينما نموت”، و”قلبي ومفتاحه” و”معشر الجن”.

حصل العبودي على جائزة إحسان عبد القدوس للقصة القصيرة عام 2011، والشارقة للإبداع العربي للرواية عام2012، جائزة لجنة الشباب باتحاد كتاب مصر للقصة القصيرة عام 2016، جائزة بهاء طاهر لاتحاد كتاب مصر في الرواية، وجائزة دبي الثقافية عام 2015. ترجمت رواياته للفرنسية، والألمانية، والفارسية، والهندية والكردية، والإنكليزية.

“الوطن مقبرة واسعة غير أنها لا تتسع إلا للفقراء المغضوب عليهم”، بهذه الكلمات الموجعة نثر العبودي الألم على ختام سرديته المشحونة بالشجن العاجز.