احتضار المجلات الأدبيَّة

ثقافة 2023/04/05
...

ميادة سفر

لعبت المجلات الأدبية التي بدأت بالانتشار مع ظهور الطباعة في القرن التاسع عشر دوراً فكرياً وتنويرياً رائداً، حيث شهدت تلك الفترة زخماً ثقافياً لافتاً بوجود أسماء عظيمة تركت بصمتها حتى يومنا هذا، وكانت مصر من أوائل الدول العربية التي بدأت فيها صناعة المجلات الثقافية، التي تحول البعض منها مع الوقت إلى مؤسسات ثقافية كبرى مازال البعض منها قائماً على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي بات يعانيها قطاع النشر والصحافة تحديداً، تلك الصعوبات التي ستترك أثرها الأكبر على المجلات المهتمة بالشأن الأدبي، حيث بدأت كثير منها بالاحتضار والانسحاب من المشهد الثقافي العربي، مع تصدر الإنترنت والصحافة الرقمية للمشهد، وعدم قدرة المواضيع التي تعالجها على مواكبة التطور التكنولوجي وسطوة المواقع الإلكترونية، لأن القارئ اليوم أصبح ملولاً لا يحتمل قراءة أكثر من عدة أسطر.

يرى البعض أنّ المواقع الإلكترونية لن تكون بديلاً عن الصحافة الورقية ومن ضمنها المجلات، لأن لكل حيز جمهوره ورواده، وبطبيعة الحال لا يمكن إلقاء اللوم وتحميل وزر اختفاء الكثير من المجلات الأدبية على انتشار الإنترنت، بل ثمة أسباب كثيرة أدت إلى هذا الحال وتلك النتيجة، لعل أبرزها الناحية المادية وتراجع أعداد الراغبين في الاستثمار في الثقافة في ظل سعي الكثيرين إلى الربح السريع بغض النظر عن القيمة المقدمة، الأمر الذي دفع كثيراً منها إلى التوقف عن الإصدار أو تحوّلها إلى شهرية أو نصف سنوية في أفضل الأحوال، ومع انتشار التفاهة والتلوُّث البصري والسمعي فضَّل الكثير من الكتاب والمفكرين التنحي جانباً والاعتماد على إصدار الكتب التي تعاني هي الأخرى من الأزمة المالية وعدم قدرة كثير من القراء على اقتناء ما يرغبون به من إصدارات، فضلاً عن المشكلات الكثيرة  بين الدول العربية والرقابة المشدّدة على الكلمة التي تحول دون وصول كثير من المجلات بمختلف تخصصاتها إلى بلد هنا أو آخر هناك.

لسنا هنا بصدد الندب والبكاء على أطلال المجلات الأدبية والثقافية عامة، والتحسُّر على ماضٍ تليد كان فيه للكلمة أثرها ووقعها ودورها البارز في تغيير المسار والمصير وبناء مجتمعات وتنوير عقول، فلا بدّ لكل مجال من مواكبة العصر والتطور بما في ذلك الثقافة، ذلك أن انحسار المجلات الأدبية في الدول العربية هو جزء من أزمة الثقافة بشكل عام، ومن الواقع العربي الراهن السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، حيث تتصدر الحروب والكراهية والعجز والإحباط أخبار بلدانه، ويتحول الحديث الثقافي أو اللقاءات الإبداعية إلى كماليات، والمنابر التي كان يعتليها الشعراء والكتاب والمفكرون تقلصت وتحولت إلى منابر لأصحاب الفكر التكفيري المتطرف المبشر بالعنف والرافض للعلم.

إنّ الحيلولة دون احتضار المجلات الأدبية وإعادة إحيائها تبدو أمراً صعب التحقيق مع تغير الظروف والأوضاع والأيديولوجيات التي كانت تحكم بعضها، وعزوف الكثير من القراء عن شرائها أو على الأقل قراءة عناوينها، غير أنّه من الضروري إعادة إحياء دور المثقفين وإعطائهم حيزاً أكبر في المنابر والشاشات، لعلنا نتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من فكر حر قبل أن نغرق في عصور ظلام جديدة.