نابليون اجتاح الأمم.. كذلك أخته فعلت بالقلوب

بانوراما 2023/04/06
...

 ماريا بيلار كوارالت ديل هييرو

 ترجمة: حميد ونيس 

كانت بولين بونابرت، الأخت الصغرى لنابليون، المفضلة لدى شقيقها من بين أخوتهم السبعة. كانت الوحيدة التي لم تشارك في سلطته السياسية. بينما تم وضع أخوتها على عروش في جميع أنحاء أوروبا. وقد نقل عن بولين قولها: "أنا لا أهتم بالتيجان، ولو كنت أتمنى ذلك لحصلت عليه، لكنني تركت هذا العروش لعائلتي. ولدت بولين في أجاكسيو، ضمن جزيرة كورسيكا القريبة من الأراضي الفرنسية والتابعة لها، في 20 تشرين الاول 1780،
 وكانت السادسة من بين الأبناء الثمانية للمحامي تشارلز ماري بونابرت وماريا ليتيزيا رامولينو. اختارت بولين حياة المغامرة العاطفية، بدلا من المشاركة في السياسية لأوروبا. استخدمت جمالها وجرأتها للتغلب على قطار طويل من العشاق، وعلى الرغم من الفضائح، فازت بإعجاب الأوروبيين كرمز للأناقة.

كتب عنها الجنرال الفرنسي لويس ستانيسلاس دي جيراردين: "لقد استمتع عدد قليل من النساء بسرور كونهن جميلات". 

أما بالنسبة لنابليون نفسه، فقد كانت بولين "أفضل شخصية لديه، والوحيدة التي لا تطلب أي شيء منه. ومع إنها غالبا ما تكون طلباتها بسيطة، كان لديها جانب مخلص وشجاع أيضا. 

وكانت الوحيدة من أخوته التي زارته وساعدته ماليا، عندما نفي إلى جزيرة إلبا في العام 1814 بعد حملته العسكرية الفاشلة في روسيا. وخلال نفيه للمرة الثانية، طلبت بولين قضاء بعض الوقت معه في جزيرة سانت هيلانا النائية الواقعة جنوب المحيط الأطلسي، بعد هزيمته في معركة قرية واترلو الفاصلة التي وقعت في 18 حزيران 1815 قرب بروكسل عاصمة بلجيكا (آخر معاركه التي مني فيها بهزيمة كبيرة- المترجم). 


عائلة متورطة

على الرغم من وفاة والدها عندما كانت في الخامسة من عمرها، نشأت بولين في حضن عائلة مستقرة وهادئة حتى بداية مرحلة مراهقتها. وفي العام 1793 صارت الأمور أكثر صعوبة في حياتها بعد أن أصبح شقيقها لوسيان متورطا في نزاع سياسي، مما أجبر العائلة على الفرار من جزيرة كورسيكا إلى البر الرئيسي الفرنسي. وبمجرد وصولهم إلى مدينة مرسيليا، عاشت العائلة تحت ضغط ظروف متوترة. وفي ذلك العام، صنع نابليون اسمه عسكريا لأول 

مرة.

وبدأ صعود الضابط الفرنسي الشاب الذي سيكون من شأنه أن يحسن مستوى ثروات عائلته إلى حد كبير. ومن جانب اخر لن يكون ممكنا لبولين أبدا أن تحصل على التعليم الرسمي، الذي كان من المتوقع أن تحصل عليه النساء ذوات المكانة الاجتماعية العالية, وكان ذلك الوضع كفيلا بتوقفها عن متابعة الدراسة، وبات من المتوقع لها أن تضطر إلى تأمين زوج ثري وهي في سن الخامسة 

عشرة. 

كان جمالها كافيا لجذب انتباه رفاق أخيها، خصوصا العسكريين منهم. وهكذا، وبعد مغازلة واحدة أو اثنتين، وقعت في حب الثوري الفرنسي المخضرم ستانيسلاس فريرون. الذي كانت له عشيقة أخرى (وهو أكبر من بولين بنحو ٢٦ عاما)، وقد رفضته والدتها. ولم يعرف نهاية تلك العلاقة.

تحدث نابليون لأحد الطامحين بزواجها، قائلا: "ما دمت ليس لديك شيء. وليس لديها أي شيء. فماذا ستستفيدان من هذا اللقاء؟.. لا شيء بالتأكيد". وفي النهاية، أقنعها شقيقها بالنظر إلى تشارلز لوكلير، وتزوجا في العام 1797، وبعد سنة واحدة وضعت مولودها؛ الابن الوحيد لهذا الزواج، والذي سمي ديرميد.

في العام ١٨٠١، ولأجل قمع ثورة مستمرة في مستعمرة جزيرة سانتو دومينغو (التي  تسمى هايتي اليوم) ولحماية دخل السكر الفرنسي من مستعمرتها، أرسل نابليون فورا (القنصل الفرنسي الأول) زوج بولين إلى منطقة البحر الكاريبي لقيادة 23 الف  جندي فرنسي، ثم في العام 1802 التحقت بولين وابنها بزوجها القائد. وقد حقق لوكلير انتصارات أولية ضد المتمردين، بقيادة توسان لوفرتور؛ زعيم الثورة الهايتية، وزعيم ثورة أفارقة هايتي، ضد الهيمنة الأوروبية خلال فترة الاحتلال الفرنسي

للجزيرة.

كانت نجاحات لوكلير قصيرة الأجل. إذ تزامن القتال المتجدد مع تفشي الحمى الصفراء التي بدأت في التفشي والقضاء على الجنود الفرنسيين، وسط انخفاض الروح المعنوية لهم، كما سعت بولين الى ايجاد نشاط اجتماعي لها، في  سانتو دومينغو، لكي يكون لها شان في أوساط المجتمع الهاييتي من خلال استضافة الاحتفالات. كما حولت قصر العائلة إلى مستشفى ميداني. 

وبعد ذلك، حث لوكلير زوجته على العودة إلى فرنسا، لكنها رفضت أن تترك زوجها. وكتب لوكلير إلى الإمبراطور نابليون أن شقيقته اختارت تتبع ثروات زوجها سواء  كانت خيرا او شرا. لكن تشرين الثاني 1802 جاء ليحمل نبأ حزينا لها، إذ توفي لوكلير بسبب الحمى الصفراء، وعادت بولين وابنها إلى فرنسا.


شخصيَّة متذبذبة

وبينما كانت بولين حزينة على وفاة زوجها، سرعان ما تولدت حولها علاقات رومانسية جديدة، وانعكس ذلك على حياتها العاطفية التي كانت تتعرض دائما للقيل والقال، وهذا غالبا ما تتم الاستفادة منه بسبب تصرفات بولين والمبالغة فيها من قبل أعداء نابليون 

الملكيين.  تقول فلورا فريزر، مؤلفة كتاب (بولين بونابرت: زهرة الإمبراطورية): "غالبا ما كانت بولين ينظر إليها من قبل المتعاطفين على أنها إمرأة لا تسيطر على رغباتها أو قرارها، ولم تهتم فيما إذا كان شريكها أو شركاؤها من الرجال أو من النساء عندما كانوا في هايتي مع زوجها لوكلير، سواء كانوا من ضباطه أو من الهايتيين الذين عارضوا الجيش الفرنسي، وبالتالي تكون هدفا يضر بسمعة شقيقها أو 

زوجها." وضع نابليون نصب عينيه السلطة الإمبراطورية، وكان يعلم أن سمعته يجب أن تكون أبعد من يؤخذ عليه من لوم حيث كانت  صورة شقيقته مرتبطة ارتباطا وثيقا بصورته، وهكذا سعى نابليون مرة أخرى إلى زوج جديد لبولين ووقع الاختيار على الأمير الغني جدا كاميلو بورغيزي، الذي ساعد وجوده في العائلة على تعزيز العلاقات مع إيطاليا رغم وقوعها تحت احتلال فرنسا. وهكذا تزوجا في حزيران 1803.

في البداية، وافقت بولين على الأمير القادم من البحر المتوسط والبالغ من العمر 28 عاما، ناهيك عن لقب الأميرة والمعاش السنوي السخي والممتلكات واستخدام المجوهرات الشهيرة. لكن بولين سرعان ما أصيبت بخيبة أمل، وتدهور الزواج، واطلقت بولين تسميتها الساخرة عليه بوصفه "الأحمق الهادئ".


قصة تمثال فينوس

بدأت صحة بولين تتدهور في العام ١٨٠٤، أخذ الأمير بورغيزي بولين إلى حمامات بيزا للتعافي، لكنه لم يسمح لها بإحضار ابنتها. وأثناء غيابها، أصيبت الطفلة البالغة من العمر ست سنوات بالحمى وتوفيت. ما دفع بولين لإلقاء اللوم على زوجها الأمير، واصبحت علاقتهما سيئة ووجدت ان من غير المناسب الاستمرار في الزواج، وأقنعت نابليون بالسماح لها بالعودة إلى باريس. بعد فترة وجيزة من زواجهما، كلف بورغيزي أنطونيو كانوفا، أعظم نحات كلاسيكي جديد في ذلك الوقت، بتصوير زوجته الجديدة. أراد الفنان ابراز موضوع أسطوري، مقترحا اسم ديانا، بوصفها رمزا لآلهة الصيد الرومانية العذراء. 

ضحكت بولين من مثل هذه الفكرة المتناقضة، واختارت الزهرة (آلهة الحب الرومانية)، تحت عنوان "فينوس ("فينوس فيكتوريوس")، صمدت التحفة الفنية الناتجة كأكبر طموح  لبولين بالشهرة. ومن خلال تصوير نفسها على أنها كوكب الزهرة، لا يمكن أن يكون الغرور الفطري لبولين أكثر وضوحا. كان قرار شقيقة الإمبراطور بالظهور عارية لتصميم نصب أمرا سيئ السمعة في ذلك الوقت، بالنسبة لامرأة من مستوى منزلتها الإجتماعية، ولكن براعة النحت التقنية حازت إعجابا واسع النطاق عندما اكتمل في العام 1808. فعندما ينظر المرء إليه في الليل على ضوء الشعلة، التي أوصى كانوفا بوضعها، يبدو الرخام المصقول بنعومة وكأنه لحم حقيقي. لا يزال شكل بولين اليوم يذهل زوار غاليري بورغيزي في روما. 

ويبدو أن نابليون كان يتجنب سلوك بولين غير التقليدي. ويتناقض موقفه هذا مع شخصيته بوصفه الرجل الذي أكد، عندما تم تعيينه إمبراطورا لفرنسا في العام 1804، على "الأخلاق الحميدة" ووضع قيودا على الحقوق التي اكتسبتها المرأة من خلال الثورة الفرنسية. بالنسبة لنابليون، كانت الإمبراطورية شيئا والعائلة شيء آخر، ولم يجسد أحد هذا التباين أكثر من 

أخته.


نهاية بائسة

ساءت أحوال بولين الصحية على مر السنين. وعانت من آلام مزمنة في البطن وسافرت متنقلة بين منتجع صحي ومنتجع صحي بحثا عن الراحة أو العلاج. غالبا ما كانت تصر على حملها بعربة نقل تجنبا للتعثر أثناء المشي. وأصبحت مطالبها متقلبة على نحو متزايد. كما طلبت من مرافقيها أن يقوموا بدور المسند للقدمين أو وضع عباءاتهم على الأرض حتى تتمكن من تحسس الراحة للقدمين.

عندما أجبر نابليون على حياة المنفى إلى جزيرة سانت هيلانا في العام 1815، عادت بولين إلى روما، حيث ضغطت على السلطات البريطانية لتحرير شقيقها. وبعد خمس سنوات، عندما جاءت تقارير بريطانية عن تراجع نابليون، طلبت مرارا وتكرارا الإذن بالانضمام إليه و"التواجد معه في تلك الجزيرة عندما يلفظ أنفاسه الاخيرة"، حيث توفي في العام 1821 بينما كانت هي لا تزال تنتظر الرد من السلطات البريطانية. ثم تدهورت صحتها تدريجيا بسبب ما يعتقد أنه سرطان المعدة. 

وفي العام 1825، وبعد عشرين عاما من انفصالها عن زوجها، عادت بولين للعيش معه في بالازو بورغيزي. وهناك توفيت بعد ثلاثة أشهر من انتقالها إلى بيت

الزوجية.


المصدر: ناشيونال جيوغرافيك