ما المغامرة في الفن؟

ثقافة 2023/04/08
...

 خضير الزيدي 


أرتقب مع غيري ممن يتوسّمون إبداعاً ببعض الأسماء الفنيَّة العراقيَّة أن نرى مغامرةً وتجديداً في خطاب الفن، ولكن ما يحصل إعادة انتاج واستنساخ لأفكار غيرهم وسرعان ما يتبدد حلمنا وطموحنا بأن تكون للفن العراقي مكانة ومتابعة من قبل الآخر. 

لكن يبدو أن التكرار والاستنساخ والتشويش المتعمد أكثر ما يسود ساحة الفن التشكيلي، خيارنا أن نوجه التساؤل المباشر لماذا يفتقد الفن إلى مغامرات أسلوبيَّة من شأنها أن تضفي جديداً من الآراء وتقدم تصوراً وأغراضا تبشيريَّة ذات وجهة حيويَّة مع طروحات لها ملامح صاحبها بحيث يمكن الحفاظ على رسالة ذلك الخطاب؟، يتبين لنا أن المغامرة تحتاج إلى استعداد وتفهم قبل التكوين والبدء في بث أساسها أو الالتزام بها.

إنّها تتخذ من التحولات الأسلوبيَّة مدارا لها وربما تقترب من التمرّد لتؤسس لتجربة غير مرغوب بها في أول المطاف لكن سرعان ما تجد لها مريدين حتى لو تباينت أفكارهم المهم هنا النتائج الاخيرة لكل مغامرة أسلوبيَّة أو شكليَّة.. يصعب أمامنا أن نعثر على رسومات تبدو في أبهى صورة لنوثق مغامرتها البنائية مثلا أو نجد نزعة جدال عبر رمزيتها ووسائط تقنياتها أن وجدت، فالفن يحتاج دائما إلى محركات مثلما يحتاج إلى تأمل ومراقبة ومحاولات التبجيل المستمر به غير مجدية ما لم يرافقها تصعيد في الأسلوب وامكانية وقدرة في البناء وزعزعة لمفاهيم بائدة لم تفتح أمام صاحبها أيَّ تغيّر أو اعادة قراءة العمل الفني وعده منجزاً إبداعياً من دون النظر إليه كممارسة وهواية. 

المغامرة في الفن لا تحتاج لانكماش وتفسير واقامة حدود مع غيرها تحتاج إلى نظم اشتغال تنطلق من دراية ووعي مسبق مع تنظير ومحاولات لإلقاء الضوء على إنجاز فكرة العمل.

لنتفق أن الفنون شهدت تحولات أسلوبيَّة ورؤى جديدة وفي ذات الوقت كان المناخ الذي يصاحبها عائد لأفكار مسبقة، لهذا كلما رأينا عملاً جديداً ساعدتنا منظومة الانترنت في كشف عائديته، ومهّدت لنا المعلومات في (كوكل) للوصول إلى أرضيته وهفتت جذوة دهشتنا من ذلك العمل.

وكانت فكرة المغامرة استنساخا سرعان ما تخرج عارية أمام أعيننا.

الأفكار في الفن لم تنتهِ حتى مع المتعارف عليه لو تسنى للفنان أن يبحث بتأنٍ وصدقٍ والفكرة الجديدة تلاحق صاحبها في أغلب الوقت، وهناك لذة شعور هي بمثابة إعلان لفكرة فطريَّة على الفنان أن يتعامل معها ونطاق تأمل الفكرة الجديدة سيقود إلى (مغامرة في الفن).  

ومن المؤكد أن لها مسوغات نزعة التثاقف أو التمثيل الحقيقي الذي لا يطيح بصاحبه. 

أعتقد أن الارادة  الحرة لدى أيِّ فنان مثابر ستبقيه بعيداً عن الالتباس فيما ينتج مع كل الميول التي يريدها ولوازم فعل صدمة الحداثة في عمله الفني، سيتعاظم الشعور بالفن حينما تتولد المغامرة ويتعمّق الوعي وتنصرف وجهات النظر نحو ثقافة بصريَّة ترسخ من الجديد وتقتفي كل اثر يتناول تأسيسات مفاهيميَّة خالصة. 

ما شروط مغامرة الفن؟ 

يتعامل الفنان مع الرسم وفقا لاعتبارات متعددة منها الرؤية والمهارة ونقل هواجسه وحقائق نفسه على القماشة أو التعامل مع الحجر والمواد الخام المتنوعة كل وفق طريقته ونشاطه الذهني وتبقى شروط المهارة فاعلة حينما تعتمد على الذهن والتقاط كل ما هو عقلي وبلورته الى تصور مرئي ليتحقق في التمهيد البدائي لذلك النشاط كشف الموضوع وتضمينه معرفيا. 

والملفت في شروط الفن يكمن في التحرر التدريجي لخوض غمار التعبير وطرح الموضوعات وكلما اقترب الخيال من موضع التفسير من العمل بدت لنا قيمة الفن كمهارة فضلا عن جماليته ونذكر هنا ما اعتقده جيمس وليبي من أن عمليات الابداع الفني تتكوّن من مرحلتين الأولى تُدعى  بالانفتاح والمرحلة الثانية بالانغلاق، في الاول وحسب ما يذكره شاكر عبد الحميد في كتابه (العملية الإبداعية في فن التصوير) تتم فيها تنمية الفكرة. 

أما الثانية ففيها يكمن الاختيار ورغم كل ما يحيط بالفن من تشويه وتكرار إلا أن قيمة المغامرة وحدها تعد لذة اكتشاف ويضاف لكل ما تقدم سيكون للخيال الدور في اللعب والتخطيط.