تراثه في أفريقيا الأثر الأدبي لطاغور ورولان على غاندي

ثقافة 2023/04/08
...

 وليد خالد الزيدي          

 

من غير الممكن اختزال شخصية الزعيم الهندي غاندي بأنه صاحب نظرية المقاومة السلمية للشعوب المضطهدة فحسب، فحينما نبحث باهتماماته نجده مزيجا من أفكار اسهمت في ابداعها مدارس ثقافية متعددة زمن انطلاقاته للدفاع عن حرية الإنسان وفهمه لأحكام سياسة اللاعنف في التصدي لمشكلات شعبه همه الأول في مجمل 

قضاياه. 

فثمة إجماع على أن غاندي

(1869ـ 1948) ورث بالفطرة تاريخ حضارة وثقافة بلده منذ استيطان جنوب آسيا وظهور النظام الطبقي والسلم الهرمي (الكهنة، المقاتلون، الفلاحون، الاحرار) واستبعاد الجماعات الأصلية المعارضة لتأثير طقوس الكهنة ثم نموّ الأدب المكتوب بلغة البراكريت والبالي شمالا وأدب سنغمي باللغة التاميلية جنوبا وانبثاق نهضة فكرية باسم العصر الكلاسيكي أو العصر الذهبي وانتشار عناصر الحضارة والديانات (الهندوسية والبوذية) وروابط ممالك جنوب الهند التجارية البحرية ببلدان الشرق الأوسط والبحر المتوسط وتأثير الهند بثقافة جنوب شرق آسيا واسهام نظام العدّ الهندي خلال القرن الحادي عشر بتطور الرياضيات وعلم الفلك في الوطن العربي.

 ولد غاندي من أسرة محافظة ودرس القانون في لندن وعمل محامياً مغترباً في جنوب افريقيا حينما كان المجتمع الهندي يناضل هناك من أجل الحقوق المدنية اثناء مكوثه فيها بين (1893ـ 1915) وكان متأثرا بمؤلفات بلورت فلسفته ومواقفه منها (النشيد الطوباوي) وهي ملحمة شعرية هندوسية كتبت في القرن الثالث قبل الميلاد واعتبرها قاموسه الروحي ومرجعا لاستلهام افكاره فوجد نفسه مجبراً على مواجهة العنصرية ذلك الوقت وكان العمال منقسمون الى التجار المسلمين (العرب) والمستخدمين الهندوس والجماعات المسيحية وبينهم صلات ثقافية فتأثر بأدبها لكن اكثر ما اثر في غاندي عبر عنه الفرنسي غاي سورمان في كتابه (قاموسي للتفاهة) الصادر عام (2021) بقوله إن غاندي قبل أن يُصبح مُحرِّر الهند هو محض إبداع أدبي أسهم فيه أعظم كاتبان خلال حياته وهما البنغالي روبندرونات طاغور الفائز بجائز نوبل 1913، والفرنسي رومان رولان الفائز بجائزة 

نوبل 1915.

 وخصص سورمان فصلاً للمهاتما معتبراً اياه شخصية روائية وإعادة لتنوير الذات قائلا: زارغاندي سويسرا عام 1930، لملاقاة رولان ذو النفوذ الأكبر والمعروف بميوله السلمية الذي عاش قرب جنيف منفاه الاختياري لحالةً التقزُّز مِن الغرب بسبب مجازر الحرب العالمية الأولى (1914– 1918) وصاحب رواية (جان كريستوف) فانطلق في رحلة بحث عن عالَم آخر وكان غاندي في طريقه إلى لندن لمفاوضة الانكليز حول استقلال الهند لكنّه اثر التوقُّف في سويسرا للقائه مُستعيناً بأخت رولان للترجمة فخاطبه المهاتما قائلاً له (أنا غاندي وأنتَ مِن صنعني) وشكّلَت هذه الجملة كلّ الحوار  بينهما.

وتأثر غاندي أيضا بفكر طاغور المقدس في بلده الهند رغم كتابته بالإنكليزية لكنه كان يتمنّى الاستقلال شريطة ألاّ يغدوّ وطنُه نسخة مطابِقة للغرب وان يشكل بديلاً روحياً للمادية الغربية وسمع عن المحامي الشابّ المقاوِم والمنادي بنبذ العنف واختياره للمسلك الروحي المستوحى مِن نصوص هندية قديمة فقام طاغور بزيارته بمدينة أحمد أباد فاُطلِق عليه اسم المهاتما أي (الروح العظيمة).  

ونظرا لأهمية كتاب (قاموسي للتفاهة) سعى البريطانيّون بكلّ الطُّرق لمنعه في الهند لكنّه وجد طريقه للقرّاء وترجم لمعظم لغات البلد وإلى اليوم لا تكاد تخلو المدن الكبرى للهند مِن مكتبة تحمل اسم رومان رولان.

كما تأثر بكتاب (حتى الرجل الأخير) للفيلسوف الإنجليزي جون راسكن لتمجيد الروح الجماعية والعمل بجميع أشكالها وكتاب الأديب الروسي تولستوي (الخلاص في أنفسكم).

من منجزات غاندي في جنوب أفريقيا بلورة فكرة نبذ التمييز العنصري واتاحت مراحل تطوره الفكري فرصة لتعميق ثقافته ومعرفة ديانات وعقائد مختلفة مؤثرا في سكانها الأصليين وأعاد ثقة أبناء الجالية الهندية المهاجرة لها لتخليصهم من عقد الخوف والنقص ورفع مستواهم الادبي واصدر صحيفة (الرأي الهندي) مجسدا فلسفة اللاعنف وحقوق العمال الهنود.

وتحمل حفيدته إيلا غاندي بعمر، 82 عاماً، اليوم بعض رماد رفاته تكافح في منزله المتداعي على بعد (25) كم من مدينة ديربان بجنوب افريقيا الذي حُول إلى متحف لحفظ تراثه الشخصي وتقول: بعد 75 عاماً على وفاته لا تتوفر المبالغ اللازمة لترميم المبنى ليطلع الزائرون على مسار غاندي الثقافي وأفكاره عن الأعراق والمرأة والعلم فإذا تركنا المكان يتداعى سيصبح غاندي منسيا.