علي العقباني
أسطورة البطل الشعبي المتمرّد على قوى البغي والطغيان والاقطاع والاستعمار والاستكبار ليست جديدة لا في الدراما بأشكالها المختلفة ولا في الأدب أيضاً، كذلك في تنوعياتها المختلفة بين شعر ورواية وقصة، وربما تبدو الحاجة الإنسانية فطرية للبحث عن معنى وبطل ورمز وشخصية تتميز بالقوة والعفو والكرم والشجاعة والمروءة والحب كما تتميز بقهر الظلم، وهو موجود بكثرة في التراث العربي والعالمي، وربما في حكايات الناس الشعبيَّة في كل مكان.
ومن الأعمال الدرامية التي تعرض على العديد من شاشات التلفزة في الموسم الرمضاني 2023 والتي تحمل سماتها الشعبية والملحمية مسلسل "الزند ـ ذئب العاصي" إخراج سامر برقاوي وتأليف عمر أبو سعدة، ويحكي قصة تحدٍّ ووجود وصراع بين الإقطاعيين وأصحاب الأراضي في أواخر القرن "19" طارحاً حكاية شاب لقب بـ "ذئب العاصي" "النجم السوري تيم حسن" سرقوا منه أرضه وقتلوا والده أمامه، فقرّر الانتقام والتمرّد بعد أن فقأ عيني الرجل الذي قتل والده وهرب. ويدور العمل في إطار اجتماعي سياسي خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، مُسلطاً الضوء على عائلة عاصي الزند الذي يعود من الخدمة العسكرية فإذا به قد تورّط في مكيدة تحيكها مجموعة من أهم الشخصيات ذات السطوة وعلى رأسهم الأغا، الأمر الذي يضعه أمام تحديات شديدة الصعوبة، فيهرب إلى الجبال ويحفز مجموعة من الشباب في القرى الخاضعة لسيطرة الأغا على التمرد.
العمل من بطولة تيم حسن ومنى ودانا مارديني وأنس طيارة وفايز قزق وطارق عبده ويحيى مهايني وتيسير ادريس وجابر جوخدار، وحنان شقير وجرجس جبارة وتامر العربيد ومجد فضة و رهام القصار وعدد كبير من الفنانين السوريين الشباب، ومن تأليف عمر أبو سعدة، وهو تعاون جديد يُضاف إلى الشراكة الفنية الناجحة بين تيم حسن والمخرج سامر البرقاوي. في هذا المسلسل يظهر واضحاً الجانب الإنتاجي الكبير للعمل، وعلى مختلف المستويات، الفنية، التقنية، اللوجستية، والذي وضع بين يدي المخرج سامر برقاوي، وفريق عمله، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في المنتج النهائي للعمل، لجهة المكان والمجاميع البشرية وتهيئة البيئة المناسبة وتنوعها على مساحات كبيرة من الأرض السورية، مما جعل الطابع الجمالي واضحاً وطاغياً ومتفرداً على الصورة.
الاشتغال على الأزياء والبيئة ومفردات المكان والشخصيات بدا واضحاً في العمل الذي تنتجه شركة الصباح. منذ الحلقة الأولى وقد انتصف عرض المسلسل الآن وهو تحت الأضواء وتصيد العثرات التي بدت مبالغ فيها عند كثير من الصحفيين فذكر نيتشه الفيلسوف الألماني الشهير "1844 - 1900" لم يكن غريباً كما رآه البعض، وغياب بعض الشخصيات لحلقات لا يبدو غريباً في الدراما، كما أن مشهداً واحداً كافٍ ليقول كلاماً كثيراً، فمنذ الحلقات الأولى لم يتأخر العمل في التمهيد لقصته برشاقة وحيوية ودلالة، وعلى المستوى الفني برز أداء الفنان الشاب ربيع جان، في شخصية عاصي في الصغر، واستطاع العمل السير بأحداثه المتصاعدة أن يسرد قصته ليس من خلال الفكرة والحبكة وتطور سرد الحكاية وتشعبها وتوسيع نطاق الأحداث والشخصيات والأماكن، بل كذلك شد الانتباه من خلال شارة البداية التي تستخدم "موال" جبلي معروف لدى أهل المنطقة عموماً.
مشهد المعركة في النهر كان يمكن تنفيذه على اليابسة، لكن الخيار الاخراجي والفني أعطى نكهة بصريَّة وملحميَّة للعراك الذي أخذ بعداً دلالياً خلف جمال الصورة وقسوة المعركة، واذا رغبنا في تصيّد هنات هنا أو هناك سنجد يبعضها بالتأكيد وملاحظات تطال التاريخ والشخصية واللونية، لكننا هنا أمام عمل ملحمي كبير منفذ بمشهديَّة عالية ومجاميع بشريَّة كبيرة فمن الطبيعي وجود خلل هنا أو هناك، لكننا بكل المقاييس أمام عمل كبير ومهم سيجعل الدراما على مفترق مهم في السنوات المقبلة.