الهواء سبب آخر للموت

منصة 2023/04/09
...

  ميادة سفر


لم تعد مقولة "طالعين نشم هوا" ذات جدوى في هذه الأيام التي تحول فيها الهواء الذي يتنفسه الإنسان سبباً إضافياً للموت في فوضى الأسباب التي تطال حياة الإنسان وصحته، فمن لم يمت في الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية ومن الفقر والجوع مات أو سيموت من الهواء، إذ يتجاوز عدد الوفيات الناتجة عن تلوث الهواء السبعين مليون سنوياً على مستوى العالم.

يشكل تلوث الهواء أحد أكثر المخاطر أثراً على البيئة وصحة الإنسان، وقد أشارت تقديرات لمنظمة الصحة العالمية أنّ أكثر من 37 % من حالات الوفيات المبكرة ناجمة عن تلوث الهواء، إذ تزداد سنوياً وبشكل مخيف أعداد المصابين بمرض السرطان بمختلف أنواعه فضلاً عن التشوهات التي تصيب الأجنة، وأمراض القلب والسكتة الدماغية وأمراض الرئة والجهاز التنفسي، حيث اعتبر تلوث الهواء ثاني أقوى عوامل الخطر المسببة للأمراض غير السارية.

إنّ الحد من تلوث الهواء الذي لم يعد يقتصر على المدن الكبرى بل امتد أثره إلى الأرياف التي من المفترض أن تتمتع بهواء أكثر نقاءً، لا يمكن أن ينطلق من الأفراد العاديين منفردين أو مجتمعين، بل يحتاج إلى قرارات وإجراءات على مستوى الدول والحكومات في كل دول العالم باعتبارها المساهم الأكبر بالتواطؤ مع الشركات الكبرى، إذ تتسبب أعمال الأخيرة في تزايد معدلات الانبعاثات الضارة بما تحمله من كوارث بيئية تنعكس على حياة الإنسان والأرض على حد سواء، في ظل تجاهل دولي أو أقله اجتماعات سنوية لا تعدو أن تكون توصياتها حبراً على ورق.

في كل الحكومات في العالم ثمة حقيبة وزارية تحت مسمى "وزارة البيئة" هدفها الاهتمام بكل جوانب البيئة والصحة البيئية والعمل على الحفاظ عليها وصونها من الأخطار، إلا أنّ المتابع للمواقع البيئية في بلادنا يدرك أنها لا تحرك ساكناً أمام المخاطر التي تترصد الإنسان، في ظل ارتفاع معدلات التلوث إلى أرقام خيالية، إذ باتت العواصم العربية تتنافس على مستوى العالم من يقترب من المركز الأول للدول الأكثر تلوثاً في العالم، من دون أن تدرك أنّ التكلفة الصحية الناجمة عن تلوث الهواء أكبر بكثير من تكلفة الإجراءات للحد منه إذا ما نظر إليها على المدى الطويل، ويبدو أن كثيراً من حكومات بلادنا تحولت إلى قاتل مأجور بتواطؤ مسؤوليها مع التجار والصناعيين والمستوردين، وتغاضيها عن ملوثات الهواء من سيارات ومولدات كهربائية ومصانع ومعامل لا تتخذ الإجراءات الكفيلة بالحد من الانبعاثات الحرارية. تعد جودة الهواء أحد أهم العناصر المؤثرة على جودة الصحة ومن ثم جودة الحياة للكائن البشري، فقد يتمكن الإنسان من البقاء حياً لأيّام من دون طعام وماء لكنه لن يتمكن من البقاء ثواني بلا هواء، فكيف إذا كان هذا الهواء ملوثاً ومحملاً بالكثير من أسباب الموت، غير أنّ واقع الحال في العالم أجمع وبلادنا بشكل خاص ينطبق عليه ما قاله يوماً الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن  تنادي.