علي حمود الحسن
 تمتعت كثيراً بمشاهدة الفيلم القصير "وداع إيرلندي"(2022) للمخرجين توم بيركلي ورس رايت، الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم قصير، ومرد إعجابي بالفيلم، كونه حقق بالضبط الجوهر الجمالي لهذا الجنس من الأفلام، الذي هو باختصار "تقديم الحدث والشخصيات بشكل مكثف ودقيق في لحظة فارقة"، لذا جاء فوزه مستحقاً، فهو مؤثر ويلامس شغاف القلب، بلا ترهل أو اسفاف، ويحكي قصة شقيقين أصغرهما لوركان من ذوي الهمم(جسد دوره بحماس جيمس مارتن، الذي يعاني أصلاً من متلازمة داون) تتوفى أمهما ويلتقيان بعد طول فراق، يحتفظ لوركان برفات أمه بعد حرقها في حافظة يحتضنها بحنو، بينما يبدو الأخ الأكبر تورلوك (شيموس أوهارا) متبرماً وقلقاً يرغب بالعودة سريعاً إلى لندن بعد بيع مزرعة الأم وإرسال لوركان إلى عمته للعناية به، يرفض لوركان ولا يريد مغادرة المزرعة، التي يشم رائحة أمه في كل زاوية من ثناياها، يخبرهما القس بأن أمهما تركت قائمة أمنيات، كانت تتمنى تحقيقها، وعندما لا يجد اهتماماً من تورلوك، يضعها في جيبه ويغادر، يفشل تورلوك بإقناع أخيه بالسفر، إذ يصل معه إلى طريق مسدود، لكن لوركان يخبره بأنه يقبل بمغادرة المزرعة والذهاب إلى العمة، شرط أن يحققا أمنيات أمهما المئة، لتتلاحق أحداث ومفارقات مرحة وطريفة من خلال تحقيق الأمنيات التي نسمعها بصوت الأم القادم من خارج الكادر (صوت الممثلة ميشيل فيرلي) فمن قراءة رواية كلاسيكية، إلى رسم لوحة، مروراً بإطلاق بالون في السماء، وانتهاءً برغبتها برحلة فضائية، ينفذ الأخوان كل هذه الأمنيات ويتعرفان على بعضهما، فيجد تورلوك في أخيه المعاق ذهنياً ذكاءً وعبقرية وارتباطاً بأرض المزرعة(ايرلندا) ويذهل من فطنته، لنكتشف معه أن ورقة الأمنيات لم يسلمها القس لهما، وأن كل ما فعلاه هو من بنات أفكار لوركان، الذي عمل المستحيل ليقنع أخاه بالبقاء في مزرعة الأم، يذهل تورلوك من كل هذا الخيال ويخبره بأنه عرف حقيقة قائمة الأمنيات، ويطلب منه تحقيق الأمنية الأخيرة لأمه، وهي الصعود إلى الفضاء، وإطلاق "الألعاب النارية، يخبره لوركان بخبث أن الأمنية(101) لأمهما، هي: "أن تكون صديقاً لأخيك وأن تبقيا في المزرعة وتتعلم الطهي جيداً".

هذه الأحداث كثفها المخرجان الشابان بمرح وبحوار دالٍ ومختزل، فهما منذ المشهد الأول أدخلا المتلقي في أجواء حكايتهما من خلال أربع شخصيات وبناء سردي خطي آني بلا انزياحات زمانية ومكانية ـ القس الطريف بحواره الساخر، وذو الهمة لوركان المتيم بالمكان، وتورلوك الذي يرغب بالعودة إلى لندن والتخلص من مسؤولية أخيه، وصوت الأم الأخاذ الذي يأتي من بعيد ليقرأ قائمة أمنياتها، ربما هذا يفسر ما قلته إن الفيلم اقترب من جوهر "جماليات" الفيلم القصير فاستحق الأوسكار.