كاري غرانت.. من قاع بريستول إلى قمة هوليوود

ثقافة 2023/04/10
...

  تبارك سلمان


في صباح الثامن عشر من كانون الثاني عام 1904 ولد ارتشيبالد ليتش في بريستول - المملكة المتحدة في أسرة تنتمي إلى الطبقة العاملة. 

وفي عام 1920 بدأت أولى خطواته نحو المجد حين سافر مع فرقته إلى نيويورك لتقديم العروض المسرحية الكوميدية.  

بقي ارتشيبالد في أميركا بلاد الأحلام، تاركاً فرقته التي عادت إلى بريطانيا ليعمل في مسارح برودواي، ابتسم له الحظ أخيراً في بداية الثلاثينيات حين لفت انتباه منتجي شركة بارامونت للأفلام بسبب وسامته وأدائه الملحوظ وطريقته المميزة بالنطق التي أطلق عليها فيما بعد اللهجة الأطلسية. 

عندما وقع عقداً معهم استبدل اسمه ليصبح كاري غرانت، مقتنعاً بأن اسمه ارتشيبالد غير ملائم لممثل.

بدأ بعمل أدوار داعمة في أفلام الجريمة والغموض مثل (الزهرة الشقراء 1932) ، (أساءت التصرف معه و لست بملاك 1933) مع ماي ويست، وكلا الفيلمين حقق نجاحاً ساحقاً في شباك التذاكر وعرف غرانت كيف يخرج من الظل و يفرض حضوره على الشاشة و في قلوب المتفرجين، ازداد شهرة حين شارك في  الأعمال الكوميدية الرومانسية مثل (الحقيقة البشعة 1937)، (تربية بيبي 1938)، (فتاة فرايدي 1940), (قصة فيلادلفيا 1940) مع جيمس ستيوارت و كاثرين هيبورن. 

وكثيراً ما تصنف هذه الأفلام من بين أفضل الإنتاجات الكوميدية على الإطلاق التي أسهمت بتتويجه كأفضل وأنجح الرجال الرائدين في السينما، خلال الأربعينيات والخمسينيات طور غرانت علاقة عمل وثيقة مع المخرج العظيم الفريد هيتشكوك، لاحقاً أشار هيتشكوك إلى غرانت بأنه "الممثل الوحيد الذي أحببته في حياتي كلها" اشتركا معاً في أربعة أفلام تعد جميعها من أعظم أعمال هيتشكوك، ومن أكثر الأدوار جدية في تاريخ غرانت السينمائي  و هي: (الشك، سيئ السمعة، القبض على اللص، شمالاً إلى الشمال الغربي)، نظرة هيتشكوك الثاقبة  أظهرت الجانب الغامض والمظلم (غير المعروف من قبل على الشاشة) لدى غرانت بأدائه لشخصيات سوداوية  بإتقان ساعدته على صقل موهبته أكثر وتنويع أدواره لاحقاً.

في نهاية الخمسينيات و بداية الستينيات تضاءل عدد الأفلام التي مثل فيها، وهذا أمر طبيعي فهو لم يعد بحاجة لأن يمثل أكثر من فيلم في العام حتى يؤمن الشهرة والمال : صار من أغنى نجوم هوليوود وأغلاهم سعراً، واصل تألقه في صالات العروض و بمختلف الأدوار، كان آخر فيلم له بعنوان (امشِ، لا تركض) بعد أن ظهر في سبعة وستين فيلماً، قرر اعتزال التمثيل عام 1966 وذلك بسبب اعتقاده بأنه أصبح أقل جاذبية ولا يريد لعب دور الأب العجوز على الشاشة، "لقد أمضيت الجزء الأكبر من حياتي متقلباً بين ارتشي ليتش و كاري غرانت، غير متأكد من كليهما وأشك في كليهما".

لا بد من الإشارة إلى أنه قد عرض على غرانت بعد تقاعده دور العميل الأسطوري (جيمس بوند 007) لكنه رفض. بعد الاختفاء عن الأضواء انخرط في الأعمال التجارية كشريك وعضو في عدد من شركات مستحضرات التجميل الناجحة. ترشح غرانت لخمس جوائز غولدن غلوب و جائزتي أوسكار لم يفز بأي منها، تم تكريمه بجائزة أوسكار فخرية عام 1970 لإنجازاته الفنية وتأثيره السينمائي لكنها جاءت متأخرة ولم توفِ استحقاقه، في عام 1981 كُرم بجائزة مركز كينيدي الثقافي لإنجاز العمر. 

وصف النقاد غرانت بالرجل ذي المظهر الوسيم والكاريزما العالية الذي جسد الاضطراب والهدوء والذكاء بأسلوب لا تشوبه شائبة لكنه لم يأخذ موهبته الكبيرة على محمل الجد، صنف بالمرتبة الثانية كأفضل نجم في سينما العصر الذهبي بعد همفري بوغارت.

في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1986 توفي كاري غرانت بسبب سكتة دماغية حادة عن عمر ناهز الاثنين والثمانين عاماً، وحُرق جثمانه و نثر رماده في المحيط الأطلسي ولم يرغب بإقامة جنازة له ولا نصب تذكاري، مكتفياً بأمجاده و صورته الرائعة المحفورة في القلوب ليُذكر بها.