أشجار لبنان.. ضحية أزمة الطاقة

بانوراما 2023/04/11
...

 انتونيو بايتا

 ترجمة: فجرمحمد

في بلدة "ميفوق" بشمال لبنان، لم يعد فاروق برهوم يستخدم المنشار لقطع الأشجار عندما يحتاج للخشب لتدفئة منزله المتواضع. وبعد عدة تحذيرات من السلطات المحلية بشأن قطع الأشجار غير القانوني، لجأ إلى المنشار اليدوي حتى لا يتم القبض عليه. "هذا الامر يستغرق وقتا اطول بكثير، ولكنه يصدر ضوضاء أاقل". يعترف برهوم بهذا الامر وهو لاجيء سوري يبلغ 39عاما في منطقة جبيل اللبنانية، التي تتواجد فيها معظم الاشجار المعمرة منذ قرون في البلاد. لقد تصاعدت إزالة الغابات في الوقت الذي يمر اللبنانيون بازمة سياسية واقتصادية عاصفة منذ العام 2019. ووفقًا للبنك الدولي، تعد هذه واحدة من أخطر ثلاث أزمات تضرب البلاد منذ القرن التاسع عشر.


يعيش برهوم، 36 عاما، وزوجته أمينة، 29 عاما، وأطفالهما الأربعة على منحة صغيرة من الأمم المتحدة ومبلغ يجنوه من جمع القمامة من الشوارع مرتين في الأسبوع.

توفر الحكومة بضع ساعات من الكهرباء كل يوم بنحو أربع ساعات منذ شباط الماضي، (وقبل ذلك كانت تجهز ساعة او ساعتين فقط).

ولا تستطيع الأسرة شراء مولد خاص أو ديزل أو ألواح شمسية. 

وهم يعيدون شحن هواتفهم في محطة وقود ويتحملون الظلام بعد غروب الشمس.

يوفر برهوم المال لشراء الطعام بدلا من شراء الشموع،" بينما تغذي زوجته الموقد بالحطب.

وتوفر النار التدفئة للغرفة الرئيسية وبعض الضوء، فضلا عن الطهي.

ولكي يعمل الموقد بقدرته القصوى فعليك أن تنتظر لفترة طويلة كي ينضج الطعام. 

ويوضح برهوم أنه بالنسبة لقلي البطاطس، يحتاج إلى إضافة الخشب.

ويقول: "لا يتوفر الخشب دائما فنضطر لاستخدام مواد بلاستيكية، مما يترك رائحة كريهة جدا".

ومع نقص الطاقة، بدأت تظهر صور الغابات ذات الاشجار المقطوعة بشكل غير قانوني على وسائل التواصل الاجتماعي العام الماضي، وبعضها غابات عمرها 500 سنة.

ومع ذلك، فهذه ليست أشجار الأرز الشهيرة المذكورة في (العهد القديم)، التي غالبًا ما ترتبط بلبنان، وتحتل وسط علمها ونشيدها الوطني.

لم يبق سوى عدد قليل من أشجار الأرز في المحميات الوطنية.

لكن الأشجار المدمرة في الغالب هي البلوط والصنوبر والتنوب والعرعر.


لبنان الأخضر

ويصل ارتفاع هذه الأشجار إلى 4500 و9000 قدم، لأن قدرتها على مقاومة نقص المياه أو درجات الحرارة القصوى تجعلهم عاملا رئيسا في مكافحة تغير المناخ.

منذ اندلاع الأزمة سنة 2019، فقد لبنان الكثير من مساحة غاباته، والذي كان يوصف بأنه ("لبنان الأخضر") بحسب أغنية للمطربة الأسطورية فيروز سنة 1963. 

ومع ذلك، لا تزال تشكل نسبة 13 بالمئة من مساحة البلاد، وفقا لبيانات وزارة الزراعة.

ومع استمرار تساقط الثلوج في المنطقة الجبلية، اعتمد السكان المحليون (ومعظمهم من المسيحيين الموارنة) على الحطب للتدفئة والطهي لأجيال. 

لكن الأزمة غيرت الوضع القانوني لقطع الأشجار.

وتضررت مدخرات اللبنانيين بسبب انخفاض قيمة العملة والتضخم المفرط اذ فقدت  98بالمئة من قيمتها.

وارتفعت معدلات الهجرة إلى أوروبا، بينما أدى نقص الوقود لسخانات المياه إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

تشرح تيريز تاربايت، (64 عاما) قائلة: "لقد اعتدنا على تدفئة أنفسنا بالغاز أو الديزل، لكن الأمر أصبح معقدا للغاية هذه الأيام"، وتعرض تيريزا مدفأة منزلها في ميفوق مع زوجة ابنها نسرين كنموذج جديد لتولد الحرارة بواسطة حرق الاخشاب.

ويقوم أطفال نسرين بقطع الأشجار في أرض العائلة للحفاظ على استمرارية هذه المدفأة.

وبين المسؤول عن وزارة الزراعة عباس حسن "أن الازمة دفعت المواطنين في مناطق معينة إلى قطع الأشجار بشكل عشوائي، دون الذهاب إلى وزارة الزراعة (المسؤولة عن مراقبة الغابات)، للحصول على تصاريح". 

ويقدر حسن أن دائرته تتلقى "مئات"، الشكاوى من قطع الأشجار بشكل غير قانوني يوميا.

ويرى أنه من المستحيل التحقيق معهم جميعا والقيام بدوريات في المسطحات الخضراء، لقلة الكوادر ونقص الأموال اللازمة لدفع ثمن البنزين الذي تحتاجه مركبات الدورية.

كشف الانهيار الاقتصادي أيضا عن أوجه القصور في نظام الطاقة الذي لم يتعاف أبدا من الحرب الأهلية (1975 - 1990). 

وفي بلد لديه 300 يوم مشمس في السنة، تأتي واحد بالمئة فقط من الطاقة من الشمس، فيما يأتي 95 بالمئة من الطاقة من حرق الوقود الأحفوري.


قلّة التوعية

في محيط ميفوق، يمكنك رؤية بعض جذوع الأشجار، وكذلك الأشخاص الذين يقطعون تلك الجذوع إلى قطع أصغر، أو ينقلونها بالسيارة أو الشاحنة.

شادي مهنا، مدير الموارد الطبيعية في وزارة الزراعة، ألمح إلى "وجود عصابات تعمل في الليل".

خلال النهار، يمكنك أيضًا سماع اصوات المناشير.

والسكان المحليون قلقون بشأن من يسأل عن الضوضاء. 

خلال صيف العام الماضي، أظهرت مقاطع فيديو المئات من جذوع الصنوبر الساقطة. 

وتشير نجاة صليبا، البرلمانية وخبيرة البيئة في بيروت إلى وضع مدينة ميفوق بوصفه "كارثة"، مصرة على أهمية زيادة الوعي وتقديم بديل للطاقة للسكان.

وتعلق صليبا: "نحن نتفهم وضع ارتفاع أسعار الوقود الذي دفع الناس لدخول الغابات.

لكن في الوقت نفسه، لدينا أشجار عمرها أكثر من 200 عام شكلت هويتنا وخلقت المناظر الطبيعية التي نعرفها.. فكيف نوازن بين الأمرين؟. 

تلتزم صليبا بإقناع السكان المحليين بتدفئة أنفسهم بالفروع التي يتم الحصول عليها من التقليم والشجيرات. 

ونظرا لأن "الدولة ليست موجودة" لم يتم تنفيذ زيادة الوعي ومراقبة الممارسات الجيدة.

أصبح الخشب أرخص وسيلة للتدفئة في لبنان، وفقا لتحليل نشرته شركة استشارات المعلومات الدولية ومقرها بيروت مؤخرا. 

ومع ذلك، تحذر المجموعة من "التداعيات البيئية" من خلال زيادة "قطع الأشجار. 

ووفقا للوثيقة، فإن الوقود اللازم لتدفئة المنزل شتاء يكلف سبع مرات أكثر مما كان عليه سنة2021.


عن صحيفة الـباييس الاسبانية