بغداد: فرح الخفاف
تصوير خضير العتابي
أكثر ما كان يميز بغداد سابقاً مناطقها الخضراء وبساتينها التي كانت تحيط بها من كل الجوانب، فتبدو كزهرة متفتحة وسط حديقة خضراء تجري فيها المياه، لكن هذه الصورة بدأت بالتلاشي تدريجياً، بفعل أزمة السكن وحركة النزوح إلى العاصمة، فضلاً عن غياب الرقابة وضعف تطبيق القانون.
بغداد الآن، عبارة عن كانتونات سكانية كثيفة مختنقة، برئة عليلة تتنفس بها بصعوبة، تفتقر إلى الهواء الصحي النقي مع ازدياد غير مسبوق للمركبات ومولدات الكهرباء، يقابله تراجع حاد للمساحات الخضراء التي تحولت اما إلى مشاريع تحت مسمى “استثمار” او إلى “مجزرة” سكنية، فجرفت البساتين وتساقطت الأشجار والنخيل، لتتحول إلى مناطق تشكو قلة الخدمات وضيق المساحات، حتى حدائقنا في المنازل التي كانت متنفس العائلة ومكانها المفضل للجلوس، اختفت وأصبحت مربعات او مستطيلات سكنية ضيقة بمساحات 40 او 50 متراًمربعا، لتنهي قصة جميلة عشناها في بغداد أم البساتين.
ويقول مصطفى محمد (سكنة شرق القناة): “نعم اختفت البساتين والمزارع التي كانت قربنا، بعضها تحول إلى مجمع سكني، والآخر إلى مول تجاري، اما الجزء المتبقي فتحول إلى مخازن للاخشاب والسيراميك وغيرها من
البضائع”.
وأضاف “عندما كنا صغاراً، نذهب مع والدينا للاستمتاع بالهواء الطلق عند مزارع الخضراوات والنخيل، اما الآن، فلا يوجد أي مكان او مساحة خضراء، حتى الهواء تغير”.
ويضيف أن “أجزاء شاسعة من هذه المساحات الخضراء تحولت إلى عشوائيات، بينما ذهب أصحاب البساتين إلى تقسيمها قطعاً سكنية وبيعها للمواطنين، فأصبحت مناطق سكنية تفتقر للخدمات، بل باتت جزءًا من مشكلة، لأن أصحابها شرّعوا بسحب التيار الكهربائي والماء الصالح للشرب من المناطق المجاورة، ما أدى إلى حدوث أزمات جديدة”.
ويؤكد الخبير في المجال الزراعي حيدر فاضل، أن “غياب الرقابة وعدم تطبيق القانون، أديا إلى تجريف آلاف الدونمات الزراعية في بغداد ومحيطها”.
وأضاف أن “هذه الجريمة الحقيقية بحق المساحات الخضراء، أسهمت في غياب الغطاء النباتي، وكثرة العواصف الترابية وتصاعد الغبار، وتلوث الهواء، وكثرة الأمراض”، مبيناً أنه يمكن ملاحظة ذلك في بساتين الفحامة او الدورة او حي تونس والكريعات والجادرية وغيرها من المناطق”.
وتؤكد أمانة بغداد، أن “التجاوزات على الخرائط بدأت من المنازل وامتدت إلى المناطق، ثم انتشرت لتغطي المدينة كاملة”، مبينة في تصريحات منسوبة لها، أن “الخرائط الأساسية توجب على كل منزل امتلاك مساحة خضراء، وتضع مساحات خضراء في المناطق السكنية على شكل تشجيرٍ ومساحات للعب، وكذلك في المدارس”، بينما يخطط لبناء متنزهات كبيرة بين المناطق وبين بعضها البعض”، لكن هذا لم يحدث إذ “أصبح البيت الواحد يقسم لعدة منازل أصغر، وتذهب الحدائق المنزلية ضحية للتقسيم، بينما يتم البناء بشكل غير رسمي في المساحات المخصصة للحدائق العامة”.
ورغم إعلان أمانة بغداد، إنجاز زراعة وتأهيل 380 دونماً جنوبي العاصمة ضمن خطة هدفها زيادة المساحات الخضراء، إلا أن احصائيات غير رسمية، أظهرت ان المساحات الخضراء في بغداد تقلصت إلى نحو 12 بالمئة بعدما كانت تشكل أكثر من 28 بالمئة.
ودعا الخبير في مجال الزراعة، رئيس الوزراء ووزراء الزراعة والموارد المائية والتخطيط ومحافظ بغداد وأمين بغداد إلى الإسراع بإيقاف هذه الظاهرة، التي بدأت بالتحول إلى كارثة طبيعية، لها نتائج سلبية بعيدة المدى على
العاصمة.