بغداد: نورا خالد
تصوير: نهاد العزاوي
تحت عنوان مهرجان "الجرح 2"، أقامت كلية الفنون الجميلة على أروقتها، أول أمس الخميس أمسية رمضانيَّة مميزة بذكرى استشهاد الإمام علي "عليه السلام".
افتتح المهرجان الذي ضمَّ فعاليات منوعة معالي وزير التعليم العالي الدكتور نعيم العبودي الذي أعرب خلال كلمته عن ثقته بأنَّ "بيئة الجامعات العراقيَّة جديرة بمهمات خدمة المجتمع النوعية لأنها تستجيب في كل الظروف وبشكلٍ مدروسٍ للمتغيرات وتواجه التحديات عن طريق التكيف ومواكبة التطور وإخضاع مناهجها وبرامجها الأكاديميَّة إلى المراجعة والتحديث".
التماهي مع قضايا المجتمع
وأضاف أنَّ "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تؤكد في كل مناسبة أن مسؤولية الجامعات والكليات ومراكزها العلمية تتضح في التماهي مع قضايا المجتمع واتجاهاته من أجل تحقيق أعلى مستوى من الخدمات العلميَّة والتعليميَّة المسؤولة عن صناعة الوعي ودفع مخاطر التجهيل".
"لا ننسى علياً" أنشودة أداها كورالٌ مؤلفٌ من عددٍ من طالبات وطلاب الكلية، لاقت تفاعل الحضور الذي امتلات به أروقة الفنون الجميلة.
وبدأ عميد الكلية مضاد الأسدي كلمته التي ألقاها بالمناسبة بتساؤلٍ كبيرٍ عن شخصية الإمام علي "ع": "هل عرفتم شخصاً بالتاريخ يتم اغتياله وينزف دمه ويقسم برب الكعبة فائزاً، أي فوزٍ يتكلم عنه علي عليه السلام، علي في كل معاركه لم يقل فزت فما سرُّ هذا الفوز يا أبا السبطين؟".
وبين أنَّ "الفوز والخسارة في قاموس علي يرسمان لنا لوحة الإنسانيَّة، لوحة للبطولة والكرامة، لوحة لقيمة العلم والبراءة والعفو عند المقدرة لوحة للصفح والتسامح".
وأكد أنَّ "قاموس علي الذي فيه كل مفردات الإنسان والإحسان والسلام والعدالة، قاموسٌ لا يزال يمتد فينا فلا بُدَّ أنْ نمتدَّ فيه ونتعلم من دروسه، ونحن في كلية الفنون الجميلة نريد أنْ ننهلَ من ينابيع علي الدرس الأكاديمي والمنجز الفني".
خاتماً "عظم الله أجوركم لقد فاز علي وخسرت الدنيا والإنسانية شخصاً جليلاً كالإمام علي".
ومن ضمن فعاليات المهرجان، افتتح معرضٌ تشكيليٌّ ضمَّ خمساً وثلاثين لوحة جسدت بطولات ومعارك الإمام علي وشخصيته بوصفه رمزاً دينياً وكونياً.
دلالات إنسانيَّة وعقائديَّة
رئيس قسم الفنون التشكيلية في الكلية محمد الكناني أوضح أنَّ "المعرض يحمل دلالات على المستوى الإنساني والعقائدي، فضلاً عن أهمية المناسبة الكبيرة التي تشكل واحدة من المثابات الايديولوجية في تاريخ الأديان ليس الدين الإسلامي فقط، وإنما الأديان والشرائع الأخرى فإنَّ الإمام علي عليه السلام يعدُّ رمزاً إنسانياً كبيراً".
تنوعت الأعمال التي قدمها عددٌ من الأساتذة بين الواقعيَّة والتعبير التجريدي والأعمال التجريديَّة ذات النزعة الواقعيَّة التي راهنت على إيجاد صيغة دلاليَّة جديدة تقدم الفكر أو الخطاب الديني من جانب جمالي وأكاديمي.
كان مسك ختام المهرجان عرضاً مسرحياً شعائرياً حمل عنوان "الأجل الحارس"، تأليف حميد صابر وإخراج سنان العزاوي ومن بطولة الفنانة الكبيرة عواطف السلمان وعددٍ من الفنانين وطلاب الأكاديميَّة.
مزج العرض بين التاريخ الحقيقي لواقعة الإمام علي وهي استشهاده وما بين فرضية وجود ابن ملجم في كل زمان ومكان.
ما بعد الحداثة والإرث الشعائري
مخرج العمل سنان العزاوي قال: "أؤمن بقضية مهمة جداً وهي أنَّ الفنان يجب أنْ يتصدر المشهد الجمالي والفكري والعقائدي الثقافي فالبعض ينأى بنفسه عن هكذا أعمال لها علاقة بالشعائريات، ربما يعتقد أنَّه مترفعٌ عن هكذا عروضٍ أو يعتقد أنَّ الفن مرتبط ٌتماماً بالمفاهيم الفلسفية القريبة أكثر الى ما بعد الحداثة التي قد تكون بعيدة نوعاً ما عن الطقس الشعائري.. لذلك أنا اليوم ربما أعطيت درساً أكاديمياً بسيطاً بأنَّه حتى لو كنت فناناً تؤمن بمفاهيم ما بعد الحداثوية بإمكانك أنْ تُدخِلَ هذه المفاهيم في العرض الشعائري".
وأضاف "عرض (الأجل الحارس) هو مزيج ما بعد الحداثة والإرث الشعائري للإمام علي".
داعياً زملاءه المخرجين "ألا يتركوا مجالاً أو فسحة للجهلة أنْ يتسيدوا المشهد حتى وإنْ كان عقائدياً؛ لأنَّ كثيراً ممن يتحدثون باسم العقائدية هم جهلة ويتصدرون هذا المشهد وينقلون صوراً مشوهة عن تاريخ العقيدة لدى المتلقي البعيد عن هذه العقيدة وليس من اختصاصه وبالتالي ينكمش".
لم ينس العزاوي دور المنشد الموجود في هذه الشعائر والشاعر أيضاً فنراها خلطة من المنشد الحسيني والشاعر الحسيني وكورالاً قريباً الى الدراما الموقعة، فضلاً عن صورٍ ومعالجة إخراجيَّة في ما بعد الحداثة ما بين مشاهد سينما ومشاهد واقعيَّة وبين نمط أو لا نمط المسرح الغنائي بطريقة الدراما المغناة فكانت مسرحية (الأجل الحارس) التي صفق لها الجمهور الحاضر بحرارة.
بلاغة وإنسانية وعدل
شخصية المرأة الشاهدة على الأحداث أدتها عواطف السلمان بإتقانٍ كبيرٍ، جاذبة الجمهور بصوتها الجهوري وأدائها الكبير.
وأوضحت السلمان أنَّ "شخصية الإمام علي عليه السلام من الشخصيات الإنسانيَّة الكبيرة التي أثرت التاريخ في كل شيء من بلاغة وإنسانية وعدل وحكمة وبالكثير من التفاصيل فمن حقه على الإنسانية أنْ نستذكره في مثل هكذا أيام".
مشيرة الى أنَّ "الاستذكار جاء من موقعٍ مهمٍ جداً، فغالباً ما ينظر الى الفن بأنَّه بعيدٌ عن هذه الشخصيات ولكنْ بالعكس تبنّي كلية الفنون الجميلة لهذا المهرجان كان دليلاً على أنَّ الفن يسمو بالإنسان الى القيم الإنسانية والجماليَّة فكانت هذه المرثية للإمام علي الذي لا يحده مسلسلٌ ولا فيلمٌ ولا كتابٌ ولكن هو استذكارٌ احتفائيٌّ لشخصيته عليه السلام".