الفراولة اليابانية.. لذيذة والسر في {الكيروسين}

بانوراما 2023/04/16
...

 هيروكو تابوتشي

 ترجمة: ليندا أدور

 

كعك الفراولة وموتشي* الفراولة وآيس كريم الفراولة، قد تبدو جميعها أطايب صيفية، لكن في اليابان، ذروة محصول الفراولة هو فصل الشتاء، بعد أن عكس "الكيروسين" موسمها الأصلي في الربيع بسبب استخدامه داخل الدفيئات لتدفئتها خلال موسم البرد القارس للحصول على أفضل الثمار في غير موسمها. 

تسمى بأسماء غريبة مثل "خدود حمراء" و"رائحة الحب" و"الأميرة الجميلة"، الى جانب الكثير من الفواكه الباهظة الثمن كالرقي، التي غالبا ما تقدم كهدايا، الا أن الفراولة اليابانية تتسبب بخسائر وأضرار بيئية، فبهدف خلق أجواء ربيع اصطناعي في أشهر الشتاء، غالبا ما يلجأ المزارعون لزراعتها في بيوت دفيئة عملاقة تسخن عن طريق مدافئ ضخمة تعمل بالوقود. 

هاتسومونو

تقول ساتوكو يوشيمورا، مزارعة فراولة بمدينة مينوه الواقعة خارج أوساكا، التي كانت حتى الشتاء الماضي، تحرق الكيروسين لتسخين دفيئتها عندما تنخفض درجات الحرارة الى ما دون الصفر: "وصلنا الى نقطة مفادها أن الكثير من الناس بات يعتقد أن نمو الفراولة في الشتاء أمر طبيعي". 

تغيرت صناعة الفراولة في اليابان لدرجة توقف الكثير من المزارعين عن زراعتها خلال الأشهر الأكثر دفئا والأقل ربحا، وهو موسم الزراعة الفعلية لها، بل باتت اليابان تستورد، في الصيف، معظم امداداتها منها. يعد هذا مثالا على الكميات المذهلة للطاقة المطلوبة لإنتاج المنتجات الطازجة على مدار العام، ما قد يسهم في احترار المناخ مقابل تناول فراولة (أو طماطم أو خيار) حتى تحت درجات حرارة متدنية.

حتى العقود القليلة الماضية، كان موسم الفراولة اليابانية يبدأ في الربيع ويستمر حتى أوائل الصيف، لكن السوق عادة ما تضع قيمة أعلى على محصول أول الموسم أو ما يسمى "هاتسومونو hatsumono"، بدءا من التونة وصولا الى الرز والشاي. مع انطلاق الاقتصاد الاستهلاكي في البلاد، إمتد الهاتسومونو ليشمل الفراولة، اذ بدأت مزراعه بالتنافس على توريد المحصول الى السوق في موسم أكثر تبكيرا من كل عام، "تحول موسم الذروة للفراولة من نيسان الى كانون الثاني وشباط، ومؤخرا حل في موسم أعياد الميلاد"، يقول دايسوكي ميازاكي، الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الاستشارية ومقرها طوكيو.

 

بصمة كربونية

توجه اليابان نحو زراعة الفراولة في الطقس المتجمد، جعلها أكثر استهلاكا للطاقة، اذ وفقا لتحليلات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالعديد من المنتجات اليابانية، فإن بصمة انبعاثات الفراولة أكثر بمقدار ثمانية أضعاف انبعاثات العنب وعشرة أضعاف انبعاثات فاكهة اليوسفي.  

"الأمر كله يتعلق بالتدفئة"، هذا ما يراه ناوكي يوشيكاوا، الباحث في العلوم البيئية لدى جامعة شيغا، غربي اليابان، مضيفا "بحثنا بجميع الجوانب بضمنها النقل وحتى الأسمدة، لكن التدفئة كان لها الأثر 

الأكبر". تعمل أمثلة كهذه على تعقيد فكرة تناول طعام منتج محليا، الفكرة التي يتبناها الكثير من المتبضعين المهتمين بشؤون البيئة بشراء طعام منتج محليا وفي مكان قريب جزئيا، بهدف التقليل من الوقود والتلوث المرتبطين بالشحن.

 تؤيده في ذلك، شيلي ميلر، الأستاذة لدى جامعة ميشيغان المتخصصة بشؤون المناخ والغذاء والاستدامة، بقولها: "نقل الغذاء غالبا ما يكون له تأثير أقل على المناخ من طريقة إنتاجه"، فقد أثبتت إحدى الدراسات بأن الطماطم المزروعة في بيوت دفيئة ساخنة في بريطانيا لديها بصمة كاربونية أعلى من الطماطم المزروعة في إسبانيا (في الهواء الطلق خلال موسمها) والتي تم شحنها الى السوق البريطانية. 


بدائل وحلول

للبيوت الدفيئة التي يتم التحكم بدرجة الحرارة فيها، فوائد. فهي تتطلب مساحات أقل من الأرض واستخداما أقل لمبيدات الآفات، ويمكنها إنتاج محاصيل أعلى غلة، لكن، وفقا لميلر، فإن من الأفضل تناول غذاء منتج في موسمه ومحلي، ليكون منتجا لا يضيف نفقات طاقة. لم تثبت الطاقة اللازمة لزراعة الفراولة في اليابان في الشتاء على أنها عبء فحسب، بل إنها مكلفة وباهظة الثمن، بعد ارتفاع أسعار الوقود، مما ألحق ضررا بصافي أرباح المزارعين. 

تعمل محافظة توتشيغي، شمالي طوكيو، أكثر المحافظات إنتاجا للفراولة في اليابان، على التعامل مع تحديات تغير المناخ وزيادة التكلفة من خلال مجموعة متنوعة وأصناف جديدة من ثمار الفراولة، أكبر حجما وأكثر مقاومة للأمراض، وتدر عائدات أعلى.

لتسخين بيوت الدفيئة، يستخدم بعض المزارعين في توتشيغي ما يسمى "الستارة المائية"، بدلا من المدافئ، وهي عبارة عن ستارة من مياه جارية تغلف السطح الخارجي للدفيئة فتعمل على الحفاظ على درجة حرارتها ثابتة، بالرغم من ان هذه الطريقة تتطلب وفرة من المياه الجوفية. فيما عكف باحثون من مدينة سينداي الشمالية الشرقية على استكشاف طرق جديدة لاستغلال الطاقة الشمسية والمحافظة على درجة الحرارة  داخل بيوت الدفيئة المخصصة للفراولة. 

*موتشي: حلوى يابانية تقليدية تصنع من الأرز المطهو على البخار والمهروس حتى يتحول الى عجينة تشكل على أحجام وأشكال 

مختلفة.

*صحيفة نيويورك تايمز الأميركية