لماذا كان تولستوي فوضويَّاً؟

ثقافة 2023/04/17
...

 الكسندرا جوزيفا

 ترجمة: شيماء ميران

كان تولستوي يعد كل سلطة عنيفة ومن ثم اقترح التخلي عنها تماما. يمكن تسمية «ليو تولستوي» فعلا، مع بعض التحفظات، بالفوضوي. فلم يكن يعترف أو يخشى اي سلطة، واستنكر بكل صراحة السلطات الروسية والكنيسة، حتى أُلقي القبض على أتباعه ونفيهم، وحُظرت كتبه ومقالاته («سوناتا كروتزر»، «المسيحية والوطنية»، «ما اؤمن به» وغيرها).

لكن لم يجرؤ أحد على لمسه شخصياً، ومجرد حُرم من الكنيسة في نهاية حياته، ولم تلعنه الكنيسة. ومن الجدير بالذكر كان يحظى بحماية الطبقة المرموقة، فعلى سبيل المثال، كانت عمته، ألكسندرا، وصيفة الإمبراطورة ماريا فيودوروفنا، زوجة ألكسندر الثالث.


مناهض للعنف

أعاد تولستوي خلال حياته الطويلة تعريف مشكلات السلطة البشرية وسلطة الدولة وارتباط الاثنين بالاخلاق عدة مرات. وأدان كل أشكال العنف، وكان احد المبادئ الاساسية لفلسفته الاخيرة “المقاومة اللاعنفية للشر”. ليقترب بهذا المعنى من فلاسفة الشرق والطاوية (تقليد ديني أو فلسفي)، المبدأ الذي ألهم المهاتما غاندي الذي كان تولستوي يتراسل معه. وبيّن غاندي لتولستوي إنه حصل على فكرته عن العصيان المدني اللاعنفي، أو “المقاومة السلبيَّة”.كان لدى تولستوي رأي متدنٍ تجاه السلطات الروسية، ووفقا لتولستوي فإن تاريخ اوروبا بأكمله هو تاريخ حكام أغبياء “يقتلون ويسلبون، ويفسدون شعوبهم”. ويتكرر ذات الشيء لمن اعتلى

العرش. 

وحدث هذا حتى في جميع “الدول الدستورية والجمهوريات التي يُفترض أنها حرة”.من وجهة نظر تولستوي، فإنَّ المسؤولين دائما ما يكونون “أكثر الناس شرا وقسوة، وعديمي القيمة والاخلاق، والأهم من ذلك أنهم مخادعون”. ويبدو كما لو أن كل هذه الصفات كانت مؤهلا ضروريا للسلطة.وجمع تولستوي في مقالته “الأمر المطلوب. فيما يتعلق بسلطة الدولة”، “الفاسق هنري الثامن” و”المجرم كرومويل والمنافق تشارلز الأول”. كما كان تولستوي فظا للغاية بشأن قيصر الروس، إذ وصف إيفان بأنه “مريض عقليًا”، وكاترين العظيمة ذات سلوك وحشي بلا خجل كونها امرأة ألمانية.


الدولة.. شر محض

نظر تولستوي إلى تاريخ الأمم المسيحية الاوروبية بالكامل، منذ الإصلاح باعتباره “جردا متواصلا لاشنع الجرائم العنيفة التي لا معنى لها التي ارتكبها المسؤولون الحكوميون ضد شعوبهم والشعوب الأخرى”.

رأى تولستوي لصا في الدولة ينتزع من اصحاب أرض ولدوا عليها الحق في استخدامها. حتى أنهم أُجبروا على دفع ثمن حقهم فيها، واضطروا إلى تقديم الجزية في العمل ليتمكنوا من العيش. 

ودافعت الدولة عن هذه السرقة باعتبارها حقا مقدسا لها.

يُرتكب العنف ضد الطفل منذ ولادته وتعميده في الديانة المقررة، أو إرساله إلى المدرسة، إذ يتم تعليمه أن حكومة بلده هي الأفضل، بغض النظر عما إذا كانت حكومة القيصر الروسي أو السلطان التركي أو الحكومة البريطانية بسياستها الاستعمارية أو حكومة اميركا الشمالية.وهكذا خلص تولستوي إلى القول إن: “انشطة اي حكومة ما هي إلا سلسلة من الجرائم”.


رفض جميع السلطات

يجب على الشخص الذي يتحلى في حياته بمُثُل العقل والفضيلة، أن يتخلى عن كل اشكال العنف ويتوقف عن دعمها. لكن الناس هم من يعطون للعنف أشكالا جديدة. اعتقد تولستوي ان جميع انظمة الدولة يجب أن تختفي، لكن كيف سيتم الحفاظ على النظام؟ رأى الإجابة في الدين والقيم الأخلاقية والإيمان والإنسانية. وبحسب رأيه، ان تحلي الناس بالاخلاق، سيُنهي الحاجة للقوة التي يمارسها عادة أي نظام دولة ضدهم.وكتب: انتقلت الدول الأوروبية من دولة أدنى إلى دولة أعلى حين تبنت المسيحية؛ مثلما انتقل العرب والأتراك إلى مرحلة أعلى من التطور عندما اصبحوا مسلمين وأمم آسيا عندما تبنوا البوذية أو الكونفوشيوسية أو

الطاوية.

عن موقع راشين بيوند