{سميراميس}.. تاريخ من السياسة والجمال

ثقافة 2023/04/17
...

علي حمود الحسن

أيقونة شارع السعدون وحمامته البيضاء، سينما سميراميس التي افتتحت بالفيلم التاريخي "بيكيت" في العام 1966، واحدة من أجمل دور العرض في بغداد وأكثرها تفرداً، من جهة معمارها وتأثيرها، ونوعية أفلامها، التي يغلب عليها الطابع اليساري، فاستحقت لقب السينما "التقدمية"، مثلما وصفها الإعلامي الجميل علي عبد الأمير عجام، إذ شاهد فيها عشاق الأفلام "الجادة" : "ساكو وفانزيتي"، و "زد" لكوستا غافراس، و"نادي القطن" لكابولا، والفيلم الروسي "الغجر يصعدون إلى السماء"، و "حالة حصار"، و"حنا ك"،  فضلاً عن أفلام أخرى على شاكلة: "الصديقان القذران"، و"النمر الجريح" لألن ديلون، و "المحصنون" للمخرج بريان دي بالما، و"ذئاب دلنجر" لروبرت حسين،  وشهدت سميراميس أيضاً حفلاً غير مسبوق لفرقة البوب الشهيرة "ايربشن" في ليلة رأس السنة 1979-1980، لتتراجع عروضها الباذخة في تسعينيات القرن الماضي نتيجة للمتغيرات التي عصفت بالمجتمع العراقي، فهجرها جمهورها وذوت أضواؤها وتحولت إلى أثر بعد عين .

  الصالة التي استقطبت جمهوراً نخبوياً جله من الطبقة الوسطى، غالباً ما يصحبون أسرهم وهم في أبهى هندام، ولا "يخرب كشختهم" سوى ملحمة الحصول على "التكت"، فيخرجون وقد نفشت شعورهم، وتقطعت أزرار قمصانهم، من جهة أخرى أثارت أفلامها ذات المحمول السياسي، حفيظة رقابة النظام الفاشي، فبث عسسه المستجدين ببدلاتهم "السفاري" باهتة الألوان وشواربهم التي لم يحسنوا "تقليمها، متربصين بمن يطلق صفيراً، أو تصفيقاً، وربما تعليقاً، وكم من مرة قطعوا عرض الفيلم وأناروا الصالة، بحثاً عن مشاكس أثار بلبلة، لكن أنى لهم الظفر به والجميع متواطئون معه، وهؤلاء اتخذوا من إحدى "الكافتريات" الأربع موضعاً لاستراحتهم.

تتوسط "سميراميس" شارعاً فرعياً مكتظاً بالمقاهي والفنادق والمطاعم والشركات الخاصة، وتعود ملكية أرضها إلى أسرة سودائي الشهيرة، التي تملك العديد من السينمات، أبرزها: "روكسي"، و"ركس" واستوديو بغداد، الذي أنتج فيلم "عليا وعصام "في العام 1948، بينما أثثها وجهزها بالتقنيات، لا سيما مكائن العرض ممتاز كامل سارة صاحب مكتب استيراد وتوزيع الأفلام السينمائية، الذي أدارها حتى العام 2006، قبل ذلك استثمرها رجال أعمال عراقيون وفقاً لنظام "المساطحة" بعد هجرة مالكيها من اليهود العراقيين، ليضاف هذا المعلم الجميل بطوابقه الثلاثة  و"كافترياته" الأربعة وكراسي صالتها الـ (1950) وستارتها "القديفة" الحمراء الى قائمة سينمات بغداد الباذخة، ولأن الدخول إلى شارعها أشبه بالعيد المتنقل، فغالباً ما ينتظر الجمهور في "الموعد" وهو محل مرطبات أنيق فيه جناح للشباب وآخر للأسر، وبعضهم يرتاد المطاعم المنتشرة بجانب وحول السينما.

 ومن ذكريات "سميراميس" التي لا تنسى عرضها، فيلم كوستا غافراس المثير للجدل" زد "(1968) أوائل السبعينيات، الذي لاقى إقبالاً جماهيرياً غير مسبوق، إلى حد توقفت حركة سير المركبات في شارع السعدون، ما أثار توجس السلطات يومذاك، فبادرت إلى إيقافه.