قصص قصيرة جداً

ثقافة 2023/04/18
...

  ساطع راجي


وجه أبيض

عندما كانت غافية، وجهها ذكره بالمرات التي اخبرته فيها برغبتها في الحصول على كلب أبيض، كلب شديد البياض مثل التي تظهر في الافلام وهي تركض في أرض شديدة البياض، كان يريد إخبارها بأن تلك الكلاب لن تتحمل حرارة البلاد وستموت سريعا لكنه خاف ان تسأله عن الموت وعن تحملهم لبلاد لا تعيش فيها الكلاب البيض، ثم نعس هو أيضا، كانت الغرفة شديدة البياض تدعو للنوم، ووجه الطفلة أبيض مثل الموت.


نهاية يوم

تأخر الوقت، الحانات أغلقت، المساجد لم تفتح بعد، وفي المستشفيات هدأت صالات الطوارئ، الشوارع فارغة مثل رأسه، تأخر الوقت.. لكن الجثة معه.. ساخنة والدم يلطخ المقاعد الخلفية لسيارته الجديدة التي ينطلق بها مسرعا.. مسرعا كما في لحظة دهسه للذي يرقد في الخلف.


إنهيار

سقط من كرسيه، لم يتخيل أحد منهم أن ذلك سيحدث يوما.. نسوا أنه إنسان مثلهم وسيموت أو يضعف وينهار، طال جلوسه بينهم كثيرا، أتلفهم جيلا بعد جيل وهو قوي حاضر البديهة يرد على السؤال بسؤال فيضيعهم بألاعيبه ليجلسهم مجددا بين يديه كالبلهاء، كانوا يعلقون كل شيء على قراره ولم يفكروا يوما باختفائه، كان يحسب أنفاسهم، وكلما انطفأ الجمر أو بردت الاقداح أشار بإصبعه فعاد كل شيء ساخنا، عندما سقط.. حاولوا، بلا جدوى، أن يتذكروا متى جلس أول مرة خلف صندوق حساب المقهى.


الحاقد

حاول ان يطلق ضحكة سخرية مستفزة في وجوههم، تمنى ان يجمع أكبر كمية بصاق ممكنة في فمه ثم ينثرها في وجوههم، كان ضعيفا جدا، سرير المستشفى والاجهزة الطبية تحد من حركته، لكنه كان يضحك ساخرا منهم في داخله، الانابيب المغروزة في يديه تمنعه من تحريكهما والتعبير عن خواطره بالإشارات، كمامة التنفس تمنعه من تحريك فكيه، كان شامتا بهم بعدما حرمهم من الانتفاع براتبه التقاعدي بحيلة ذكية، سيتركهم تعساء لكن ذلك لا يكفيه، يريد إذلالهم قبل ان يموت، استغل فرصة استدارة الممرضة السمينة لتعديل اجهزته الطبية فأمسك بمؤخرتها، صرخت مثل كلبة مضروبة وانتهى مبتسما وهو يتفرج على وجوههم الفزعة.


الصندوق

وجدهم جميعا في الصندوق الضيق، ذرات صغيرة هربت مسرعة مذعورة من ثقل جسده الذي سقط في قاع الصندوق ليحتشدوا في الزوايا، عندما استقر الغطاء فوق الصندوق واستحكمت الظلمة، صار يراهم بوضوح أكثر، هو يعرفهم.. كل هؤلاء يعيشون هنا؟!، لم يذهبوا الى قبورهم، بل اكتمل انفصالهم عن أجسادهم تماما هنا.. في التابوت كما أخبروه.. حيث يعيشون معا ويستقبلون بترحاب القادمين الجدد وهم في الجزء الأخير من الانفصال عن الاجساد، كما يفعل هو الآن.. خرج وجلس في إحدى الزوايا يشاركهم النظر الى جسده وهو يبرد ببطء.