جعفر العمدة صرعة جماهيريَّة أم أشياء أخرى؟

ثقافة 2023/04/19
...

ضحى عبدالرؤوف المل


لا نُنكر أنَّ الفنان “محمد رمضان” يفرض ما يريد على الجمهور من خلال تفرده في الشخصيَّة الرئيسة لما يمتلكه من نجوميَّة في جوانب شخصيته ذات المزيج الذي يقرّبه من الفنان أحمد زكي أو زكي رستم وحتى محمود المليجي. إلا أنَّ الزمن لم يعد زمن الفتوة كما كان الحال أيام الممثل القدير “فريد شوقي” أو “محمود المليجي” الذي لم يغب عنه اختيار النصِّ بمقوماته الفعليَّة والتعبيريَّة. فنحن في زمن ما بعد الحداثة أو عصر الأنيمي والقصص الفعليَّة من حيث المقومات العقليَّة والعاطفيَّة. ويمكننا القول إنَّ معيار أيِّ تحليل منطقي لعمل ما هو الوقوف بين الفعل أو القصة التي نريد إظهارها، والعرض أو الفعل التمثيلي أو العرض بكامله الذي لم يتشبّع في مسلسل “جعفر العمدة” من القصة رغم تعاطف الجمهور مع قضيَّة خطف ابنه والمؤثرات العاطفيَّة الهزيلة في قوامها الإخراجي الذي يطول شرحه في مشاهد الضرب غير المنطقيَّة، التي شاهدنا فيها الكثير من الخلل في مثل هذه المواقف التي لم يحاول المعتدى عليه أن يقاوم جعفر العمدة.

لكنَّ المثلث التحفيزي للجمهور شكّل نوعاً من الاستمراريَّة وهو دور الفنانة “هالة صدقي” وبراعتها في تقديم دور الأم التي تحافظ على الولد الضعيف والولد القوي والابن الضائع، وحتى الأخت لرجل بخيل لا همَّ له إلا المال، والفنان “أحمد داش” الذي شكل العقدة في اختفائه ومن ثم صداقته مع “جعفر العمدة” دون معرفة الآخر أنه والده. ولكن المسلسل لم يحمل من المعايير الدراميَّة ما يجعله على مستوى الفعل يحقق قيمة دراميَّة على مستوى القصة والإخراج بعيداً عن نجوميَّة الفنان “محمد رمضان “ التي جعلتني أتساءل هل هو صرعة أو موهبة أو أشياء أخرى ؟

لا يمكن إشباع شهيَّة الجماهير الرمضانيَّة من خلال سخافات دراميَّة غير جوهريَّة في أهدافها الأخلاقيَّة. بمعنى زرع الفضيلة، لتكون النبتة التي تستمر مع الزمن الدرامي عند تحديثه كما هي الحال في مسلسل “مذكرات زوج” المأخوذ عن كتاب للمؤلف “أحمد بهجت” والذي سأتحدث عنه لاحقاً، فمقاومة الشرِّ تحتاج لمنطق يغلب عليه الفعل الضعيف أو القوي أو حتى القدري منه والمفاجئ، ولكن ضمن المنطق العقلاني للتحليل كما هي الحال في العرّاب، وليس في مسلسل “جعفر العمدة” الذي يفتقد لمعنى القصة البناءة التي تخدم المجتمع بشكل عام، بما يتناسب مع معطيات الشخصيَّة القادرة على منح العدل للمجتمع بمعنى تفاصيلها من خير وشر، وما إلى ذلك من تفاصيل عرفناها في الكثير من الشخصيات التي تعلقنا بها درامياً كشخصيَّة العرّاب الذي حاول تحقيق خدمة مجتمعه بأسلوب مافياوي، لكنه وصل لنهاية مقنعة درامياً وواقعياً في الحياة. فجعفر العمدة رغم استخدامه فكرة العراب والشخص الواقعي المنقذ أو الفتوة الذي يفرض السيطرة على محيطه وعائلته. إلا أنه لم يستطع خلق موازين إنسانيَّة، كالتي وضعها أمامه العرّاب رغم المراحل الجسديَّة التي لا يمكن أن يتخطاها الإنسان الذي يُردّ إلى أرذل العمر، فالنظام السلطوي في شخصيَّة “جعفر العمدة” تخرج عن اللامعقول في الشكل الدرامي أو اللامنطق في الأحداث التي تحترق تباعاً أمام الجمهور الذي يتعاطف مع قضيَّة خطف ابنه الذي يصاحبه دون معرفة أنه ابنه لبثّ المزيد من المشاعر العاطفيَّة الغارقة بمفارقات هزليَّة في العمق، وحتى بما تثير السخرية في شخصيَّة سيد، فالصراع بين “منذر رياحنة” و”محمد رمضان” قائم على إبراز القوة والفتوة والسيطرة الكاملة على حي بأكمله وبالعضلات والضرب دون الاهتمام بالمقاومة من المضروب. فالشخصيَّة الرئيسة غير منطقيَّة في خوضها القمعي المتكلف والمغرور والقائم على إبراز الأنا، وحتى ضمن ما هو مبهرج بعصا وتسريحة شعر وساعة وما إلى ذلك. وحتى تسريحة شعر حافظت على نظامها على مدى الحلقات حتى أثناء النوم في السرير، بينما هي شخصيَّة خرجت من حي شعبي له تراثه المعروف في الزمن الحديث الذي نحتاج فيه إلى شخصيات منطقيَّة تطاردنا عبر الزمن لقوتها الدراميَّة، ولشخصيَّة جوهريَّة مبنيَّة على شكل معقد لا يتكرر عبر التاريخ الإنساني كما هي الحال في شخصيَّة العراب، فالحبكة القائمة على شخصيَّة جعفر العمدة أو العرّاب العربي بالمعنى الأصح الذي تحول مع جعفر العمدة من ملحمة العصابات المافياويَّة إلى رجل ينعم بعصبيَّة كاريكاتوريَّة في نص عربي غير مكتوب بما يكفي، لخلق التعاطف الحقيقي مع عائلة جعفر العمدة غير القويَّة فضائلياً بمعنى حب الخير والفضيلة وخدمة الناس، وحتى تحقيق الأمان لمن حولهم وإن قامت مجالس للحكم بقضايا الحي وانتقلت إلى منذر رياحنة المسجون سابقاً، فمن يقوم بجلسة حكم ليعدل في القضايا بين الناس يجب أن تكون صورته مبنيَّة على الكثير من الفضائل وحب الخير للناس كي تهيمن الشخصيَّة على الأسس النفسيَّة في من حوله أقلها، كما أحسسنا مع عائلة كورليوني والانتقام العنيف لفرض السيطرة على مافيا جعلتنا نتوافق مع العراب تاريخياً ونعشقه عشقاً لم تحققه شخصيَّة دراميَّة بالمعنى الفعلي الإنساني، وهو الأب الروحي الذي لم يأت بالتفاصيل الدراميَّة التي يمكن لها أن تجسِّد شخصيَّة تلعب دوراً في الأحداث القائمة على الفتوة والقوة، وفرض العدالة من مفهوم حي السيدة المربوط بخلاف مع عائلتين، والمفارقة في الابن الذي يلعب دوره “أحمد داش” المعتدل تمثيلياً والذي استطاع تلطيف الأجواء في أكثر المشاهد التي اختلَّ توازنها، كما هي الحال مع ثريا وهي تمسك يد ابن عيلة فتح الله كي نشعر بالسخافة حتى في تعريف الخير والشر وتركيب المشهد بخلل لا تستحقه الفنانة “مي كساب” التي نشهد لها بجماليَّة إطلالاتها كافة. فهل الصورة العربيَّة للعرّاب هي من جوانب شخصيَّة الفنان “محمد رمضان” التي تم رسمها لتكون صرعة أخرى تحقق التسويق الدرامي المطلوب؟ أم أنَّ خصوصيَّة المزيج التمثيلي الذي يمتلكه تركته في هذه الأدوار التي ينفرد بها ليحقق النجوميَّة شعبياً بعيداً عن المعنى الدرامي الحقيقي في إصلاح المجتمعات؟ وهل يرمز الفنان “محمد رمضان” بأدواره إلى الشاب “القبضاي” كنموذج يُحتذى به عند شباب اليوم ؟