ارتجال وراء رؤية تغيّر المدينة

ثقافة 2023/04/19
...

يقظان التقي

عالم الجاز في كتابٍ أنيقٍ فاخرٍ تعبيري المزاج للفنانة غريتا نوفل صدر عن منشورات “مكتبة أنطوان”، إنتاج غاليري جانين ربيز”، يستعرض بالصورة أسماءً كبيرةً من الموسيقى الأفرو- أميركيَّة.. عمالقة الجاز، أبرز النجوم العالميين والعرب، سبق للفنانة التشكيليَّة أن عرضت بورترياتهم في معهد غوته، غاليري جانيين ربيز، سيتي كافييه، وفي استوكهولم، أبرز فناني الجاز الأميركيين، بأسلوب قريب من الاسكتشات الفنيَّة الشعريَّة. ارتجالات ولونيَّة، تحاكي ارتجالات موسيقى الجاز وتجريديّاتها، في لحظة مشتركة وبقوة المزاج الشخصي، في مشروع مشترك بين الصورة، والرسم، وفي إطار مشروع رسم على جريدة، توثيقي وحواري، وفي دمج للوسائل التعبيريَّة المتعددة.

شخصيَّة غريتا نوفل تمثيليَّة. كأنها تشبه النوتات الموسيقيَّة، كمعزوفة حيَّة، تنفستها مثل الهواء مع والدها الموسيقي، في مقاربة واقعيَّة، رافقتها تفاعلات كثيرة مع عازفي الساكسوفون أو الكونترباص، التشيللو، الرسم بالأكريليك والموسيقى، والصورة، في تعبيرات مشتركة ومتناغمة. 

هنا التركيب سيد الموقف كما الكولاج. مادة فيها من الحنين إلى عشرينيات القرن الماضي، قرن من موسيقى الثورة والتمرد، والحريَّة. مدرسة نقديَّة فنيَّة قائمة بذاتها مع خمسينيات القرن الماضي. مع موسيقى الجاز في الخمسينات والستينات، الأميركي فرانسيس وولف، بيلي هوليداي، ديوك الينغتون، سارة فون، ايرول غارنر. وجوه تمنح الرسوم بعداً توثيقياً، تاريخاً طويلاً لمن أغنوا الإنسانيَّة في قاسم مشترك هو موسيقى الارتجال، وربطاً مع نتاجات لزياد الرحباني، توفيق فروخ، ربيع أبو خليل (بيروت)، بول نيلسن وغلبن كافيه (السويد)، ليست بورتريات عاديَّة، مادتها من طبيعة لينة تمثل مواجهة أشكال العنف والتمييز العنصري، علاج للهلع من الحروب. جمعتهم المغامرة الفنيَّة، على إيقاعات أنفاس نغمات الجاز، حولتهم إلى أساطير فنيَّة، تجمع بين فكرة الحداثة، تصلها بالحياة الأوليَّة لبعض المجتمعات، والرسوم المصورة تتجاوزها إلى المعاصرة في بورتريات، منذ أيام اندي وارهول، ومارلين مونرو، ونجوم من عوالم السينما والرياضة والأزياء. الكتاب قدمت له الكبيرة ايتل عدنان، مشبعة بثقافة الجاز، والشعر، والمسرح، والمدن العالميَّة بين سان فرانسيسكو، باريس، بيروت، إسطنبول. شخصيَّة مستندة إلى تحليل المقطوعات الموسيقيَّة العابرة للجسور تثير معها الموسيقى لوحة، والعكس صحيح. ما فعله الموسيقيّون والتشكيليون والمفكرون في باريس في أعمال حول الموسيقى واللوحة، والروسيّ موسورسكي مع الرسام الفرنسي هرتمان، والرسام مورتيزفون شونيد مع موسيقى بيتهوفن، والهولندي موندريان وجاز برودواي. بورتريات مصورة تمثل التاريخ العميق للثقافة الشعبيَّة الأميركيَّة، والإيديولوجيا الثوريَّة التي رافقت الجاز، في أوضاع اجتماعيَّة حيث اقتلعت الروح، فجاءت موسيقى، تصل جميع الناس، وتسبر الحنين إلى وجوهها. الجاز والحياة موسيقى واحدة، انبعاث كليّ لناس مسحوقة، عادت لتعزف، وتغني ضد عنصريَّة غبيَّة. وجوه غريتا نوفل تجذب الانتباه، عندها أجوبة في مستوى إبداع حياة أخرى هنا وهناك، تروي قصصها، عوالم ملونة مرئيَّة، عبر موسيقى عذبة، أقامت الاتصال مع ذاتها والعالم، حيث تصدح، ترى فيها المستقبل الاجتماعي للعالم، بسبب التجريب نفسه مع كثير من الألم وإصابات عميقة داخليَّة بالروح، والعلامات الطيبة المضيئة، بأحلامها وأجوبتها المسموعة، التي تغير رؤية العالم، التي يمثلها الناس.