زينب الركابي: وجوه الخزف التعبيريَّة

ثقافة 2023/04/19
...

 علي إبراهـيم الدليمي

 

عندما اكتشفت الحاجة الوظيفيَّة للإنسان القديم، للأواني الفخاريَّة في بادئ التاريخ، الغرض منها الحفاظ على طعامه وشرابه فيها، ليس إلا..، ليتحول هذا الفخار في العصور اللاحقة، فيما بعد إلى أيقونات فنية جماليَّة، تزيّن بها القصور والبيوتات الراقية وغيرها في كل مكان وزمان وحتى الآن. بعد إدخاله إلى الأفران الحراريَّة، وإضفاء الألوان الزاهية عليه، والتفنن في أشكاله الفنيَّة.

لكن الخزّافة زينب الركابي، (التي تابعت تجربتها منذ أكثر من عشرين سنة متواصلة بشكل يومي بحكم زمالتنا الوظيفيَّة معاً)، قد اتخذت من فن الخزف، في تجربتها الفنيَّة منحىً تعبيرياً رمزيَّاً غيّر مفهومه الجمالي المعروف، إذ حولت هذه الأواني، إلى أشكال مهشّمة وفق رؤية تعبيريَّة مدروسة. 

إذ اشتغلت على ثيمة وجه "الإنسان"، بشكل عام، الذي يعيش مع الأخرين لأكثر من وجه مشترك في "النفاق" و"الرياء" و"الكذب" وما شابه ذلك من سلبيات مرفوضة في المجتمع. إذ جمعت نتاجاتها في معرضها الأول، تحت عنوان (مرايا النفوس) الذي أقيم على قاعة دائرة الفنون في العام 2014، وعرضت فيه هذه التجربة المتميزة.. وما زالت تعمل عليها.

الفنان والطبيب النفسي الزميل علي عباس، تحدث عن هذه التجربة: "مرايا النفوس: انعكاس لشكل الإنسان، ولكن نحتاج إلى شخص يُجسّد تلك المرايا، كي نرى أنفسنا بصدق.. وغير مشوّه".

هكذا استلهمت "الركابي" الوجه الإنساني (حصريَّاً) إذ تنوّعت أشكال أعمالها وفق رؤيتها التعبيريَّة والفكريَّة التي استأثرتها من وجوه أعمالها المأساوية والتي يتمزّق فيها الوجه الإنساني كما تتمزّق الأوراق.. وتتناثر فيها أجزاء الوجه، مثلما تتبعثر الدمى بيد الأطفال، فالعينان أصبحتا غير متماثلتين مع بعضها، والأنف تغيّر شكله إلى آخر، والأذنان تنافرتا من مكانيها إلى زوايا أخرى، والوجه برمته قد تمزّق شرَّ تمزيق، بل أصبح بلا رقبة يستند إليها.. أشلاء متناثرة هنا وهناك على مساحة العمل نفسه.. هذا الوجه الإنساني المتشظي والحزين الذي نشاهده على جميع معروضات الركابي.. التي تحاول أن تقرّب لنا أو تجسّد بعضاً من الطامة الكبرى الذي يعيشها الإنسان في هذا الكون عموماً، وخصوصاً في الأراضي الجغرافية التي تعدم فيها الإنسانيَّة، من دون رحمة، ومن دون وازع أخلاقي، من لدن أصحاب الأفكار السخيفة.

أما الخامات والمواد الأوليَّة التي أدخلتها "الركابي" في صلب أعمالها، فهي عجينة من مواد كيميائيَّة مطاوعة جديدة قابلة للاستجابة بين أناملها، حسب التكوين والأشكال.. كذلك الألوان فقد اجتهدت أيضاً باستلهامها وادخالها.. نحو توازن مدروس وانسجام رمزي مع مدلولاتها الفكريَّة التعبيريَّة.. وقد أجادت في ذلك، بل ونجحت.

الركابي، اتجهت في تجربتها هذه إلى التعبير التجريدي في أعمالها الخزفيَّة، لأنَّه الأكثر قرباً من المجتمع، أما كون فن الخزف يؤخذ للزينة فهناك آلاف الخزّافين ينتجون ذلك بل هنالك معامل إنتاجية مختصة بهذا الجانب.. ولذلك أرادت أن تضع لها بصمة وأسلوبا يضعها في المكان الصحيح ما بين الحركات الفنيَّة عموماً.

درست "الركابي" فن الخزف في بدايتها في محترف مديرية التراث الشعبي، بإشراف الأستاذين الراحل مؤيد نعمة، وقاسم حمزة، عام 1993. 

بكالوريوس كلية الفنون الجميلة العام 2012. عضو في كل من: نقابة الفنانين العراقيين وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين. 

عضو مؤسس في رابطة التشكيليات العراقيات، ومشاركة في جميع معارضها.

حاصلة على قلادة الإبداع السنوي الأول برعاية وزارة الدولة لشؤون المرأة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2012. 

تعمل الآن في دائرة الفنون التشكيليَّة/ وزارة الثقافة. ا

نتسبت في العديد من دورات صيانة الأعمال الفنيَّة والورقيَّة. أول مشاركتها في معرض الفنانين الشباب، على قاعة الصرّاف 1997. شاركت في جميع معارض وزارة الثقافة، وجمعية التشكيليين العراقيين، منظمات المجتمع المدني الأخرى منذ عام 2001. عملت على تنفيذ تصميم مجلة تشكيل، والعديد من الفولدرات الخاصة في المعارض. حصلت على العديد من الشهادات التقديرية لمشاركاتها الفاعلة في المعارض والمهرجانات الفنيَّة. فضلاً عن المقالات النقدية العديدة التي كتبت عنها.