جمرة الكتابة

ثقافة 2023/04/19
...

 حبيب السامر


هل أنت قريب من لحظة انشطار الحلم، وهو يتجسّد في النسق الجمالي لالتقاطات تتشعّب وقت تدوينها، وتكون أكثر وضوحا من طبقة الرؤيا حين تتجمّع في نسيج واحد، بفعل رهافة الحبر وتأملات الحالة في حقول المخيلة كما هو الرصد الدائم لجوهر الأشياء المتحركة والثابتة في ملامسة خيوط الكتابة وهي تتسرّب مثل غيمة تلمع قطراتها، وتدعو الغابة إلى مجالسة الكاتب وهو يستحضر أدواته وينصرف إلى اشتغالاته وفق مسارات الحواس، هذا هو عالمنا السحري الذي ينمو حين تتبادل الأشجار مواقعها، والأضواء تتفرّع ببؤر متوزعة بين مساحات المجاز في مقاربات داكنة مع تعدد الألوان.

في الكتابة نمارس طقس الممكنات لذلك نجعل السماء أقرب إلى حيز الورقة، يحدث هذا دائما مع مرور الوقت لذلك نلوذ بها لكسر رتابة الصمت وتراكماته، نحاول أن نعصر الزمن لنستدل برحيق زهرة في آخر السطر، وفي لجة تزاحم الأشياء وبريق الذهول،  تجتاح الكتابة ومتغيراتها اللحظة بدهشة السطوع.

لذا تتباين لغة التجربة الأدبية والحياتية بمضامينها المختلفة لدى الكاتب وفق هاجس البحث الدائم، وهو يحاول أن يتخلّص من القلق المهيمن والمستمر مع كتابة أي نص جديد، وصولا إلى حد معقول من اليقين ليلامس حافة الرضا المؤقت، لما ينتابه من إحساس كلما وضع نقطة الحبر على ورقة الكتابة، وباشر في تدوين خلجاته، تزداد مع كل حالة بعمرها الزمني توهّجا وبريقا، لا سيما والحالة مرهونة بالتجربة ونموها المستمر، لو توقفنا كثيرا أمام شكل النص وحاولنا أن نقارنه بمعمارية شكل جديد، حتما سنجد الفارق الزمني يحكم الكثير من الحالات.

أرى من المناسب جدا ألا نضع قوالب جاهزة ونطلق الحكم على انحسار هذا الشكل الشعري بالمقارنة مع شكل آخر، ويبدو لنا بأنه قد تلاشى أو تغيرت مناخاته في التوصيف، كي نصل إلى حدود المنطقة الفاصلة بين خرائط الشعر العراقي.

الحياة تتجدد، مثل النهر المنفتح على روافده يتغذى ويغذي المساحات الواسعة، كذلك هو الشعر بمختلف أشكاله وأنماطه يمنحنا دفء الجملة الشعرية وبؤرة موضوعها، وهو يرتبط بنا عضويا، من هنا أعتقد أن الشكل الشعري وعمره الزمني له علاقة بمدى التقبّل والتفاعل بينه وبين جمهوره، إذ لا بدَّ أن نجد هذا الشكل قد خفت بريقه، ولكن قد نجد جمرته المتقدة.

نختصر هذه الحيرة لدى الكاتب التي تلازمه في انتاج نصه الجديد، والتردد في نشره بفعل هاجس الخوف من كونه لن يصل إلى القارئ، وبهذا ستموت الفكرة وعلاقته الروحية مع الكتاب وتعامله في اكتمال ما يكتب، لا سيما وقد عانى كثيرا من الكتابة والمحو والتعديل والشطب حتى صار النص جاهزا وفق الذائقة الفنية التي تنشد جوهر الحياة، بعد بحث دائم في كينونة الأشياء تجعلك تراقب موشور النص بألوانه المتعددة وفق قراءة المتلقي ومخياله الخصب.

يقودنا هذا القلق الدائم لدى الكاتب إلى البحث عن سحر المفردة وفرادتها وروحها المعاصرة وتحليقها في عالم الكتابة والتي تمنحه أفقا دالا على نمو الذات المبدعة والمصورة لتأثرات المحيط والتوق المستمر لخلق بريق الكلمات في تجربة متنوعة تبتعد عن الجاهزية المعمارية وخلط الأوراق وتوسيع دائرة النفور بين الكاتب والمتلقي، وهذا الاحساس بقلق وصول النص إلى القارئ، على الرغم من معرفتنا بأن على الكاتب أن يترك نصه ويبذره في حقل الحياة وينتظر ثماره.