النصُّ الراكضُ والنصُّ الهادئ

ثقافة 2023/04/19
...

  صالح رحيم 


الكتابة نوعان، أو نصّان، والأمرُ ينطبق على الأجناس بجميع أشكالها، وهما نصُّ هادئ، ونصٌّ راكض. 

النصُّ الهادئ، يُظْهِرُ لنا عِدةَ الكاتب المعرفيَّة، وأدواته، وأسلوبه، وطريقة تفكيره، وهو هادئٌ سواء كُتِب بهدوء أو على عجالة، برويةٍ وتمحيص أو من دونهما، وسواءٌ كان منقطاً أم كتلة واحدة. إنك تقرؤه بضمير مرتاحٍ وبنفسٍ مطمئنة، بل بعد قراءته، تعيد النظرَ بآليات تلقيك، وتعيد ترتيبها، وتجدد رؤاك الجمالية. 

فإنه يضيف إلى عالمك معارفَ جديدة، وإلى بصيرتك تعدداً في الانتقال من منظارٍ إلى آخر. وإلى روحك مزيداً من الطراوة والماء. النصُّ الهادئُ لا ينتهي، إنه نصٌّ

خلّاق. 

على العكسِ منه تماماً، يكون ذاك، إنَّه يكشفُ عن خواء كاتبه، وعن استجابةِ روحه لمعايير العصر، وعن اكتفائه بقراءة لونٍ من ألوان الكتابة، وعن خلوِّه من أبسط مقومات الجمال وأدوات الكتابة، فتراه منفعلاً على طول قراءته، بلغَ صاحبه من الفقر مبلغاً يدنيه من موتِ الحدس. يضعُ صاحبه في منزلة يتساوى فيها الوجود والعدم، ولو أنه اكتفى بالعدمِ وانشغل بتأثيث ذاته، لكان له أجدى وأنفع من تأثيث العدم بكتابة تسيء إلى الجمال قبل أن تسيء إليه. 

ذلكَ أنَّ الحدسَ تربيةٌ، ومزاولةُ الانغماس في ضروب المعارف الجمالية كلها، وإذا اتفق أن يتساوى النصَّان في لحظة الانبثاق، فإنهما متباينان على الورق، ذلك أنَّ الحدسَ عندَ الراكضِ حدسٌ منفلت، لم يتلقَّ ما يؤهله إلى رؤية الكائن الذي يقطن الأشياء

والعالم. 

في حين أنه عند الهادئِ راكزٌ، لقحته أُلفةُ الكتبِ بما يضعه في موضعِ يجعله على درايةٍ بالحركةِ الداخلية للوجود.  

لم يبلغ النصُّ الراكض، الحركة، منزلةً، أو درجةً واحدة، إنما هو أسيرُ شظفٍ جماليٍّ عسير، إنَّه في جوهره نصٌّ ساكنْ، متعفنٌ قبل أن يولد. 

أما الهادئ، فإنه متحركٌ حركةَ الجنين وهو يتلقى صنوفَ الطعام من رحمِ أمه، إنه طفلٌ يولدُ حكيماً، ومن على رابيةِ الحدس، يستشرفُ

العالم.