يا ليلة العيد انستينا

ثقافة 2023/04/19
...

سامر المشعل 

كانت تأتينا نسائم الفرح من خلال أغاني العيد، التي تعلن عن قدومه فتبث الفرح والبهجة في نفوس المستمعين، فهي بمثابة الاعلان المؤكد بمقدم العيد، فتأخذ الأسر بالاستعداد لاستقبال الزائر الجميل، وهو يطل من بين الايام، فتزدحم صواني "الكليجة" للشواء عند الافران، ويتراقص الصبية فرحا، بارتداء الملابس الجديدة واستلام العيدية، وتقرع طبول الماجينة.

كانت الأغاني الاثيرة التي يبثها تلفزيون العراق بهذه المناسبة هي أغنية "أي شيء بالعيد أهدي اليك " للفنان ناظم الغزالي، وأغنية "باجر العيد يانجوى" للفنان سعدون جابر. أما عربيا فقد كان صوت كوكب الشرق يأتي صادحا شجيا يشيع البهجة والفرح في نفوس الناس، فنتنسم عطر العيد من خلال صوتها، حتى ارتبطت هذه الاغاني بذاكرة العراقيين، وأصبحت اشبه بالاقتران الشرطي بحلول الأعياد.

كان الملهم الأول لأغنية "ليلة العيد" هو بائع متجول يروج لبضاعته ويقول "ياليلة العيد انستينا"، سمعته أم كلثوم أثناء ذهابها الى مبنى الاذاعة، فاستوقفتها هذه الجملة، ورأت بأنها مناسبة لمطلع أغنية بمناسبة العيد، توجهت الى الشاعر بيرم التونسي ليكتب كلمات الاغنية، وبعد اشتداد المرض على التونسي، طلبت من الشاعر أحمد رامي أن يكمل كتابة الاغنية، وبعد أن أصبح الكلام جاهزا لحنها زكريا احمد، وغنتها أم كلثوم أول مرة بالعام 1937 بمساء عيد الاضحى. وبعد مرور سنتين من صدورها أعاد تلحينها رياض السنباطي، وغنتها أم كلثوم بالعام 1939 بالصورة التي عرفها الجمهور. 

وكانت الاغنية مخصصة بالاساس لفيلم "دنانير"، لكن أم كلثوم أصّرت أن تحذفها من الفيلم لتعبر الأغنية عن مناسبة العيد بصورة عامة.

وأغنية "الليلة عيد ع الدنيا سعيد" من أحب الاغاني لأم كلثوم وفال السعد عليها، فقد استغلت أم كلثوم حضور الملك فاروق لحفلها في نادي الاهلي، في ليلة عيد الفطر، بعد جلوسه على العرش لمصر العام 1944، وقامت أم كلثوم بذكاء وسرعة بديهية بادخال اسم الملك فاروق بالاغنية، وتبدل كلمات الاغنية الى: (يانيلنا زرعتك سكر وزرعك بالغيطان نور.. يعيش فاروق ويتهنأ ونحيلوا ليالي العيد).. الامر الذي جعل الملك فاروق يشعر بالنشوة ويمتلئ بالغبطة فأمر بمنحها "نيشان الكمال"، حيث استدعاها بعد الحفل ومنحها ذلك الوسام ليصبح لقبها بعد ذلك "صاحبة العصمة"، الأمر الذي أثار لغطًا في العائلة الملكية، كيف يمنح هذا اللقب لآنسة من الفلاحات!.    

بعد سرد قصة أغنية "ياليلة العيد"، وتوظيف هذه الاغنية لكسب ود الملك، رحل الملك وظلّت الأغنية تثير في نفوس المستمعين العرب الفرح والبهجة لأكثر سبعين عاما.

كانت أغاني العيد في الأمس تثير الفرح في نفوس العراقيين، وترتبط بمشاعرهم وذاكرتهم، لكن هذه الأيام، وعلى الرغم من تخمة الساحة بالمغنين، إلا أننا لم نرتبط باغنية حديثة تعبر عن الحس الجمعي وتتوغل في نفوسنا بمناسبة قدوم العيد، أم أن الأعياد اختلفت عن أيام زمان وشحبت ملامحها وما عادت تصيب الفرح في نفوسنا مثلما كانت؟!.