عبد الكريم خليل.. المرأة وطبيعة التصور الذهني

ثقافة 2023/04/25
...

 خضير الزيدي 


بدت محاولات كريم خليل في الرسم أكثر اتزانا وقدرة تعبيرية، وهي تمد المتلقي بسيل من التصورات والتأويل، فقد عرفناه نحاتا ماهراً تعامل مع خامات المرمر والكرانيت والبرونز والخشب ليصنع منحوتات غاية في التأثير. 

وجاءت رسوماته لترتبط بإيحاء وانفعال معين وخاصة ما يتعلق بالتشخيصية (المرأة تحديداً). كل ذلك نتاج خبرة متراكمة مع الاشكال والخطوط والتكوين، وهذه الرسومات بكل ما تحمله من رؤية موضوعية تتحقق أمامنا بوعي جمالي وتعبيري له علاقات مفعمة بما يتناسب ونظرته للفن وادراكه لذاته وموضوعاته الحساسة، ولأن الفن لديه قضية جوهرية واتجاه معرفي فقد تواصل مع الرسم ليكون امتدادا لمنحوتاته وصفائها التعبيري، فما الذي قدمه عبد الكريم من موقف شعوري اتجاه رسم النساء في الفترة الأخيرة، بعد أن دفعت به صعوبات الحصول على مادة المرمر؟ 

يعيش هذا الفنان شغف الانتساب إلى المحيط الاجتماعي والبيئة العراقية، لهذا نراه لم يخرج عن توظيف أو اشتراطات المحلية في الغالب من منجزاته النحتية أو الرسم، وبقيت مخيلته تتماشى وتتمتع بمقولة الاصالة والمثالية في الفن. وفي الفترة الاخيرة عمل على انجاز العديد من اللوحات التعبيرية التي تتخذ من عالم المرأة بعداً فنياً وجماليا وعقيدة للتعامل معها، فكانت نساؤه حالمات، تكتسب وتضع نظرة الأمل في وجوههن ويتعاملن بمآثر جمالية لمن يراقب نظراتهن أو طبيعة ملابسهن أو تأملاتهن. والحقيقة هناك هاجس لتعرية وكشف السلبيات في المجتمع يريد خليل أن يضعنا عند معاينته، وأصعب ما يوجهه الينا كمتذوقين لرسمه أن ننحاز إلى المفاضلة بين خياله ودلالاته في الرسم وماهية تعبيريته الصارخة، بكل ما تحمله من مشاعر عميقة حيال المرأة والتباس النظرة الدونية لها من قبل الآخر. إنه توجه يدعونا للتأمل ولقراءة ما فرضته التصورات الغريبة في الحياة اليومية. وبما أن الفن خطاب وتوجه يمتلك عناصر مقاومة لردة الفعل الغريب أمامه، فقد لجأ هذا الفنان لرسم نساء تظل نظراتهن نابضة بالحيوية، كأنه يريد أن يخبر الجميع بوجود أمل وحياة قريبة ستعلن عن مقدرتها في التغيير. 

هذا الموقف ينفرد به الفنان ضمن ميدان ادراكه لحقل الفن ومكانته في التغيير ولعمق حساسيته، كلما كان مظهره واجواؤه فاتنة يضاف له الاثارة البصرية والسمة الشعورية المفعمة في لوحاته، فهو لا يرسم صور الخراب إلا بعد أن يخبرنا بجمال الحياة والدعوة للعيش في زحمة الانجازات التي تخلدنا، ومن جهة ثانية لا نجد أفراطا في  التداعيات، التي لا قيمة لها حتى أننا نرى في لوحاته غيابا للغنائية، لأنه يسعى في لوحاته أن يرسم (الفكرة)، ويوصل ببحثه إلى انجذاب معين وهذا ما نستشفه في النساء التي يرسمهن فهن تواقات للحرية والتمرد وساعيات لإعطاء منطق طبيعي لقيمة الحياة والحفر في ناق تتجه إلى هاجس العشق والغيرة وكل هذه الأفكار مثلت صورة حية لواقع مرئي ومعاش ومهدت لكسر رتابة اية مفارقة في الكلام عن المرأة. 

ضرورة الرسم وقيمته التعبيرية 

تختلف نظرة عبد الكريم خليل عن غيره في الرسم فهي تمثل حدودا معرفية جراء قيمة (فكرة الرسم نفسها)، ويحسب له أن مهارته في عالم النحت اطاحت بكل ادعاءات خارجة عن عدم قناعته. فواصل ضمن اشتغالات معينة الربط بين الرسم والنحت بذات المستوى من نظرته لمعنى الفن وطبيعته الروحية والتعبيرية، أو تمثلاته اجتماعيا ونفسيا، معتبرا أن مهامه لا تقل أهمية عن أية توجهات معرفية أخرى كالمسرح والسينما والدراما، وعليه فالفنان في هذا الجانب يؤسس بمقدرة فنية لخطاب جمالي يعكس هواجس نفسيته أولا، ويبيّن الغرض من قيمة فنه أمامنا، ولعل واحدة من حقائق هذا الفنان أنه يبدد وقته في أمانٍ وأحلام تبدو لنا صعبة المنال، ولكن يبقى اعتقاده قائما بيننا، بأن اللوحة التي لا تحمل أحلامها لا يكتب لها النجاح، لهذا تأتي موضوعاته قابلة لفك الاشتباك بين الواقع والحلم أو على الاقل الاخذ بقابليته ورغبته في التغيير الذي يسعى إليه من خلال الفن.. صناعة الرسم وقيمته التعبيرية جعلته يطوي كل لحظات الخوف الذي عشناها في يوم ما أمام وظيفة الفن وهو يبين اسئلة  الوجود وكيفية توظيف الحياة والحاجات الانسانية للمرء ذلك، لأن ارادته قوية ومخيلته تربت على بث الجمال حتى ولو كان ذلك أمام الهزائم والانكسارات، وما هذه الرسومات التي تخص عوالم المرأة، إلا تجوال في كل مسارب الجمال وسلسلة مظاهر حية لقيمة الذات الإنسانية.