القصيدة المفرّغة: قوة شعر المحو

ثقافة 2023/04/25
...

 كارول رومينز

 ترجمة: رزان الحسيني

كان الشعراء يصنعون أعمالا جديدة من خلال الشطب الانتقائي بنصوص الآخرين منذ عقود، ولكن الإنستغرام وعصرنا السياسيّ قد سلطوا الأضواء على هذه التقنيّة المدهشة.سلاحٌ للحرب، لعبة للغة، فعل لاستعادة العدل، شعر التفريغ، أو الحوار، يقوم بكل هذه الأدوار وأكثر. وهو نوع من “الشعر الموجود”، ينطلق من نص متواجد، تمحى أجزاء منه لينتج لنا نصاً جديداً وأقل حجماً. وفي حين أنا نرى هذا النوع من القصائد متدفق الشهرة لطبيعته “الإنستغرامية”، فإن تقنية التقطيع والتلصيق تواجدت منذ القرن العشرين. وإن أسلوب التهكم، والسخرية من قصيدة أخرى، باستعارة كلمات وأفكار منها ثم إعطاءها منحىً هزلياً؛ لا بد أن يكون متواجداً قبل أن تدون القصائد حتى، بزمن طويل.

لا توجد طريقة محددة لصنع القصيدة المفرّغة، “والقاعدة” الوحيدة هي أن تكون الكلمات قد اقتطعت من نصٍ متواجد سلفاً، بدل من أن تُكتب بشكل جديد. 

الشاعرة الأميريكية إيرين دورني، قامت بتعريف ستة أنواع من شعر المحو في blogpost 2018، «الشطب” حيث تُشطب أجزاءً من مقالات الجريدة أو الوثائق، هو غالباً أكثر الأنواع شهرةً، شُهر عن طريق جريدة أوستن كليون، القصائد المُعتّمة. هُنالك مؤلفون آخرون كانوا اكثر ابتكارية بكيفية تعتيم النص، باستخدام أشياءٍ مثل الرمال والزهور لتغطية المقاطع المُختارة. جيمي مورتارا يقتبس قصيدة «dorney» في الإنستغرام، يعتّم كل النص المُحيط، ويترك لنا: عقلي/ نكتةٌ/ مُدهشة.

تعرضُ كثيرٌ من قصائد المحو لمحاتٍ خفيّةٍ من الحكمة كهذه، والمزاح الساخر الذي يُعطى اعتبارية بتسليط الضوء عليه.

في أفضل حالاته، يذهب شعر التفريغ إلى أكثر من كونهِ مُمتعاً. تستعمل الشاعرة م. نوربيس فيليب في قصيدتها «Zong»  التقارير الزمنية للمحكمة لكشف قضية سفينة العبيد في القرن الثامن عشر، حيث خُففت الحمولة برمي 150 عبداً أفريقياً من أجل التأمين، تقول فيليب: قتلوا النص. تقلبُ قصائدها قواعدَ اللغةَ التقليدية، وتُمزّق الحروفَ لأشلاءٍ من أجلِ خلقِ تعبيراتٍ رمزية، ومسموعة بالطبع، عن المعاناة والإساءة. كما لو أن تحطيم تمثالٍ ما أصبحَ شكلاً فنيّاً يفضحُ كل قسوةٍ صغيرةٍ أُرتُكِبَت باسم الشخص المُحتفى به.

إن القسوةَ والتجاهل هما أيضاً هدفان لريموند انتروبوس، وهو شاعر مُدافع عن مجتمع الصم، وقد أدلى ببيانٍ قويٍّ ضد اللامبالاة التي رآها في قصيدة “مدرسة الصم” لتيد هيوز، حيث أدرجها مشطوبةً بالكامل في مجموعته “المثابرة” والتي فازت بجائزة تيد هيوز للشعر.

اتّخذت “كيت بير” مؤلفة الكتاب الأكثر مبيعاً حسب نيويورك تايمز «what kind of woman» نهجاً حوارياً من التفريغ في مجموعتها الجديدة «I hope this finds you well». 

كانت إستراتيجية الشاعرة “بير” هي الرد على writing back ) ) المتصيدين والمتزمّتين في مدوّنتها، باستخدام تقنية المحو أو التفريغ، حيث تحوّل العصي الميّتة لقصائد شائكة. وكانت سابقاً تقوم بحذف التعليقات المُسيئة، إلى أن قرأت يوماً رسالة امرأةٍ اختلفت معها على مسؤولية الشرطة، وتقول: برزت الكلمات أمامي بشكلٍ جديد. وتشرح قائلةً: التقطتُ صورةً للشاشةِ على غرّة، ومحوتُ بعض الأسطر باستخدام القلم الرقمي، وضغطتُ (نشر). محتوى القصيدة الناتجة، محاسبة الشرطة، عن مقتل جورج فلويد.

تُقرأ الرسالة الأصلية كما الآتي:

أتمنى أن تلتزمي بالشعر،

بدلاً من أن تكوني سياسيةً باستمرار،

إنها رغبة قارئ واحد فحسب..

هل فكرتِ قط ما الذي سيحدث

لو تختفي الشرطة؟

هل ما تقولينهُ سيُغير أي شيء؟

كلّا.

حين تبقين في مسارك

سيحدث تواصلاً أفضل

أعلم أن البقاء صامتة

 ليس أمراً محبباً

ولكنّه مجرد هاجس.

وكانت إعادة النشر التي قامت بها بير هي:


أتمنى أن

تختفي

هو ما تقولينهُ

حين تبقين

صامتة.


“قد يكون شعر المحو بطبيعتهِ عملاً سياسياً دائماً، قد يكون شعر المحو بطبيعتهِ عملاً عنيفاً دائماً”.

ليست كلّ الرسائل عدائية، وتردُ “بير” بوديّة حين يكون كاتبها عطوفاً، وحين يشتكي مُعجباً من صعوبة غالبية أنواع الشعر الأخرى، يكون جوابها: أردتُ فنّاً/ كان الشعر/ مخبّئاً/ في الكثير/ بطرقٍ عدّة.

تظلُّ الفنيّة الشعرية مهمّة دوماً بالنسبةِ لها. 

وهي تتحدّثُ لأجلِ مجتمعها كما تتحدّثُ لأجل نفسها حين تقول: أملي هو أني حين أشارك هذه القطع، نستمرُّ في التمسّك بالحقائق التي تسندنا، وأننا حين نواجه الضجيج الحتميّ بالفعل، سندوزن آذاننا لنسمع  لأغنية.

إن شعر المحو، بضمنهِ شعر “بير” أيضاً، ليس مجردُ أغنية. 

تكتب الشاعرة جنيفر اس چينج في (jaket2): « قد يكون شعر المحو بطبيعتهِ عملاً سياسياً دائماً، قد يكون شعر المحو بطبيعتهِ عملاً عنيفاً دائماً”.

ما سبق صحيحاً بالطبع، إن اللغة سياسيةٌ، والكتابة بسياقٍ مزدوج يُضاعف هذا الصدى. يمكن أن يكون شعر التفريغ سلاحاً قبيحاً، يمكنه أن يشوّه ويحطّم عمل كاتبٍ آخر. هنالك بالتأكيد قضايا أخلاقيّة يجب اعتبارها حين يُعاد استخدام النص من قبلِ كاتبٍ آخر. 

ولكنّ “العنف” قد يتّخذ أشكالاً إيجابية، من خلال إظهار السهولة التي يُمكن أن يتحوّل بها المثاليُّ إلى ظُلمٍ. 

مثلما قامت الشاعرة تريسي ك سميث بنقد إعلان الولايات المتحدة للاستقلال بشكلٍ لاذع، في قصيدتها {الإعلان».

في حين أن بعض أنواع شعر المحو قد تم تمكينه من خلال “إنستغرام” والذي يُعتبر وسطاً لا يُعنى بالقراءةِ الدقيقة، فإنه يمكن أن يكون مجسّاً رقيقاً وغير فتّاكٍ بدل أن يكون سلاحاً، خاصةً حين يتّحدى الأحكام المغبرة والآراء المتلقيّة، عندئذٍ يمتلك احتمالية لأن يكون تحويلياً.