الدراما في رمضان بين العابر والمؤثر

منصة 2023/04/26
...

 د. عواطف نعيم  

كما أسلفنا في مقالة سابقة حين تحدثنا عن ثراء هذا الموسم الرمضاني بأعمال دراميَّة متعددة على مستوى الكم ومحددة على مستوى النوعيَّة، فالتفاوت في المستوى أمر محتوم ما دامت الأمور المتعلقة بإنتاج الأعمال الدراميَّة بين القنوات العراقيَّة المختلفة لا تخضع للتخطيط والبرمجة والاستبيان فإنها تكون معرّضة لذلك التفاوت والاختلاف وأيضا النقد والاعتراض؛ لذا سنكمل الحديث عن الدراما، ولكن ليس في مجال تقويمها وتقييمها ومنحها حقها في سُلّم التأثير والإجادة أو وضعها على قائمة النكوص والرتابة بوصفها لم تشكل حضورا أو تترك انطباعا لصالحها والمشتغلين عليها، بل للحديث وتشخيص أبرز الاعاقات التي كانت سببا أو أحد الأسباب في تردي هذا المسلسل أو ذاك العمل الدرامي ممن تواجد في السباق لهذا الموسم الرمضاني.

 إذ كان هناك توجه لدى أغلب القائمين على إنتاج الأعمال الدراميَّة على الأرض العراقيَّة الميل إلى الاستعانة بوجوه من أصحاب المواقع على السوشيل ميديا ممن لهم متابعين ومريدين وهذا قد لا يكون عيبا عليه مؤاخذة ولوم فيما لو كان الاختيار صحيحا، وكان الشخص المختار لهذا الدور أو تلك التي تم اختيارها لهذه الشخصية يتمتع بالقدرة والموهبة التي تؤهله للدخول إلى عالم الدراما ومنافسة فنانين وفنانات لهم القدرة المزكّاة التي تمنحهم حق نيل تلك الفرصة في العمل والانجاز. إذ إن بعضا من هؤلاء الذين وقع عليهم الاختيار بوصفهم إعلاميين أو بلوكرات أو فانشيستات أو أصحاب محتوى لم يكونوا يتمتعون بالموهبة أو القدرة أو الخبرة للنهوض بما أوكل اليهم من مهمة ليست بالبسيطة فجاء ظهورهم متعثرا وباهتا وفي أحيان أخرى بليدا ومضحكا!، وفي ذات الوقت لا يضيف هذا الاختيار تميّزاً للعمل أو تفرّداً في الإنجاز للقائمين على الإنتاج، وإذا كان ثمة ضرورة لهذا الامر وتنفيذه فلا بدَّ هنا من طرح السؤال الآتي: لم لا يتم تدريب هذه الأسماء التي يتم اختيارها وتأهيلها للوقوف أمام الكاميرا والوقوف أمام أسماء مهمة ذات تاريخ وحضور تشاركهم العمل ليس فقط على مستوى الأداء بل على مستوى الحضور والحركة والتحكم في المشاعر وسلامة النطق الصوتي وتنويعاته والتحولات الدرامية عبر الأحداث ومتغيراتها داخل المتن الحكائي للنص؟

ثم لماذا لا تقوم تلك الشركات التي تضطلع بمهمة المنتج المنفذ للعمل الدرامي بتهيئة الأعمال في فترة مبكرة من الموسم الرمضاني لكي تنجز قراءة النص بشكل وافٍ وتقيمه بما يتناسب مع حاجة المجتمع العراقي وتطلعاته وفي ذات الوقت تستطيع إجراء التعديلات والتغييرات التي تتطلبها سلامة النص ونجاحه عند التنفيذ والابتعاد عن العجالة والاستسهال والركون إلى الاخوانيات وحسابات الربح والخسارة عند التنفيذ كي لا يتعرض العمل الدرامي لمنع عرضه وايقافه لأسباب فاتت القائمين على انتاجه عند المباشرة بالتصوير؟  وعلى المخرج أن يكون قد خطط مسبقا وتهيَّأ لإخراج العمل الدرامي ومنحه حياته الحقيقيَّة بحسن القراءة والتحليل أولا ومن ثم الاختيار الصحيح للشخوص المجسّدة لذلك العمل الدرامي بعيدا عن التأثريَّة الشخصيَّة ودوافع الانتقام والإزاحة التي يزاولها البعض فيستعين بممثل بعيد ويأتي به متحملا كلف إقامته وسفره كي لا يستعين بفنان داخل الأرض العراقيَّة ولا يتعامل معه لكونه قد رفض أن يعمل معه في مسلسل قديم لأسباب موجبة ومقنعة! العمل الفني الرصين والحقيقي يرفض التعامل على أسس من الكره والتضييق والترصّد لأنَّ الإبداع يعني الجمال والمحبة والتجلي لخلق عوامل الاقناع والحضور وحسن الادارة ولسنا ضد الحديث عن طبيعة الاختيار، بل الحديث هنا عن سلامة ورصانة الاختيار في أحقيَّة هذا الفنان عن ذاك الفنان في نيل الفرصة للابداع والانجاز الحقيقي، ولدينا في العمل الفني داخل الارض العراقية وفي مواقع كثيرة تتدخل وتلعب الاخوانيات والثارات الشخصية والسياسية والتكتلية دورا كبيرا ومخجلا في توزيع فرص العمل من دون حساب أو جاهزية لتداعيات مثل هذه السلوكيات على المنجز الابداعي! فقد يتحكّم اسم من الاسماء المعروفة بتوجهات المخرج، فيفرض عليه من يقف معه أو من يشاركه العمل من الممثلين والممثلات وقد تفرض الجهة السياسية التي تدير هذه القناة أو تلك أسماءً على المنتج المنفذ والمخرج وتبعد أسماءً وتتلاعب بالمضمون الفكري والرسالة الإنسانيَّة التي يحملها النص الدرامي على وفق الولاءات والانتماءات، وهذا أيضا واحد من أسباب نكوص الدراما العراقيَّة وتفاوتها وضياع الفرصة في تسويقها!  الدراما عمل إبداعي حين يكون منجزا على وفق رؤى فنيّة وثقافيّة غنيّة بالفهم والحرص والانتماء الوطني، ولسنا ضد حسابات الربح والخسارة على أن لا تكون على حساب القيم التخصصيَّة والمطلوبة مهنيا لضمان نجاح المنجز الدرامي سواء كان مسلسلا أو سهرة أو ثلاثيَّة تنتمي للعمل الدرامي المتفرّد وتبث رسائل توعية ومتعة وفكر نيّر. ومن الجميل أن تتزيّن أعمالنا الدراميَّة وتضاء بوجوه شبابيَّة جديدة تتمتع بالموهبة والحضور وأن لا تتكرر بعض الوجوه وتفرض على المتلقي تحت ذرائع واعذار واهية وأن تمنح الفرص بعدالة واستحقاق لكل العاملين في الوسط الدرامي من الرواد أصحاب الخبرة والتميّز والشباب من أصحاب الموهبة والقدرة وأن لا يتم تغييب وجوه لها مكانتها ولها تاريخها الواثق في المشهد الدرامي العراقي، سواء كانت داخل الأرض العراقية أو خارجها، وكي نبدع ونطوّر الدراما علينا منذ الآن أن نتهيأ للموسم الرمضاني المقبل بما يليق بنا ويمنحنا خطوة متقدمة للأمام.