البارانويا

منصة 2023/04/27
...

البارانويا أو (الزَور) أسلوبٌ أو شكلٌ مضطربٌ من التفكير، يسيطر عليه نوعٌ شديدٌ وغير منطقي (أو غير عقلاني) ودائم من الشك وعدم الثقة بالناس، ونزعة دائمة نحو تفسير أفعال الآخرين على أنها تهديدٌ مقصودٌ أو مهين، وشعور ثابت بأنه مضطهد.

ولأنَّ هناك توقعاً تعميمياً أنَّ الآخرين ضدهم، أو انهم يحاولون بشكلٍ ما استغلالهم، فإنَّ الأشخاص المصابين بالزور (البارانويا) يميلون دائماً إلى أنْ يكونوا محترسين وكتومين وحذرين، ويبحثون بشكلٍ مستمرٍ عن أدلة أو معلومات تشير إلى وجود نوايا سيئة ضدهم، لدى المقربين إليهم، وعدم إخلاصهم لهم. 

وهم يعمدون إلى توكيد هذه التوقعات بكل سهولة؛ ذلك أنَّ حساسيتهم المفرطة تجعلهم يفسرون أو يقلبون الاستخفاف البسيط إلى إهانة كبيرة، والأفعال التافهة إلى أحداثٍ كبيرة، مؤذية ومقصودة. 

وستدور بالنتيجة رحى أحداث مؤلمة مصحوبة في الوقت نفسه بتوقعات لخيانة أو غدر أو عداء، غالباً ما تستثير في الآخرين ردود أفعال تؤكد توقعاتهم وتبرر ما كانوا يحملونه من شك وعداء نحو الآخرين.

وإليكم حالات حقيقيَّة:

راجعني مهندس نفط يشكو من رجال الأمن أنهم يراقبونه  في الشارع وفي محل عمله، وأنَّ هاتفه يرن في الواحدة بعد منتصف الليل وعندما يرفعه لا يجيبه أحد. وعندما سألته منذ متى يتعقبك رجال الأمن، أجاب: منذ نحو ثلاث سنوات. 

عندها قلت له: وهل تتصور أنَّ رجال الأمن (في زمن صدام) يصبرون عليك ثلاث سنوات. وغادر غير راضٍ مني.

وفي الثمانينيات أخذت طلبتي الى مستشفى الشماعية في زيارة علميَّة فوجدنا رجلاً في الثلاثينيات من عمره كان قد قتل أمه (تصوروا) لشكه بأنها تنوي دس السم 

له.

وحكى لنا طبيب المستشفى عن معلم قتل ثلاثة من زملائه أعضاء الهيئة التدريسيَّة لاعتقاده بأنهم يحيكون مؤامرة لقتله.

وهكذا يكون شعار المصاب بالبارانويا: لأتغدى بصاحبي قبل أنْ يتعشى بي.