هل يمكن تسويق فلسفة الحرية في عالم المستقبليات؟

منصة 2023/04/27
...

عبد الغفار العطوي لننظر في تفاصيل هذه الظاهرة (الحرية في علم المستقبليات) التي تبدو لنا في هذا العصر بالذات شائكة ومحيرة للوهلة الأولى، لكن يمكننا تفكيكها كمنظومة استقرائية، بعد ذلك أي بعد ظهور أسئلة جديدة للمعرفة في تحولات العالم، لأنَّ مسألة المعرفة لم تعد اختياراً وإنما قضية مصير! ولأن التنبؤ في تلك المعرفة تتناسب مع تلك الأسئلة التي تلوح. إنها تغذ السير بخطى متسارعة نحو عالم مجهول، فالحرية هي أول المفاهيم المتداولة في عالمنا كثيراً تبحث في مجال المعرفة المتخصصة التي من الممكن أن تتحول نحو مفهوم آخر مغاير، وتفحصها ملياً يجعلها تخضع لأول إكراهاتنا، أمر مقدر وجائز، حينما نعتقدها سيالة، قابلة للفهم والتفسير، لأنها ذات جاذبية عالية، وقدرة هائلة على الفتنة والإغراء، لمداليلها الصارخة والصادمة لنكتشفها عكس ذلك، ولأنها هي هكذا فيها من الاضمار بقدر من الوضوح، فيمكن تسويقها على نحوين، حرية منفلتة وحرية مقموعة مكرهة، تمشياً مع التحولات الاحتمالية التي تقبل الوجهين على إنهما إحتمالية جائزة، فإذا وضعناها في حيز علم المستقبل (المستقبليات) ذاك العلم المختص في دراساته بوضع المحتمل والممكن والمفضل من المستقبل إلى جانب الاحتماليات القليلة من الحوادث المتوقعة الحدوث، التي هي الآن في طي التوقع في أن لا يتوقع لها استشرافاً محدداً على النحو المخطط لها، من هذه التي لا يمكن (التكهّن) بمستقبل محدد لمساراتها، وهي الحرية! التي عرفتها الفلسفة، وتعني بها الحرية المطلقة أو الميتافيزيقية، بأنّها وفق تعريف لالاند هي الفكرة التي تكون في اول تعارضها، مع الطبيعة هي تقتضي وجود فعل إنساني محرر من جميع العلل، بمعنى أن الحرية هي ليست فعلاً، بل ردة فعل، أي لا بدَّ لها من محرر، والمحرر هنا هو الإنسان على ما يبدو، وبما أن مستقبل ذاك الكائن الذي سيتحول إلى منظومة من الاحتماليات التي تضبطها أدوات علم المستقبل، فالحرية هنا محكومة بهذه الاحتماليات، ووفق قانون (قوانين) مورفي يمكن أن تصبح هذه (الحرية) إكراهاً، لأنَّ مفهوم الحرية يخالف ناموس الكون، وإن (الله) لم يخلق الكون بحرية ما (بمعنى ما من علامات الخلق تؤشر وجود الحرية في انوجداه) من عدم أو لا شيء، بما في هذه الحركة من إكراهات تنفي وجود حرية، ولعل الديانات كلها استلهمت فكرة عدمية الحرية من هذا القبيل، والفلسفة وهي من مقترحات الآلهة الصغيرة في الميثولوجيا اليونانية التي خدعت البشريات المتحولة بمفهوم معرفي للحرية، وتكفلت باقتراح التفلسف على أنها من خطرات الله المعرفي (الآلهة) بشرط تبني معنى ضيق في الحرية، قانون مورفي هو ليس اكتشافاً مخملياً في علم المستقبليات، إنما هو أحد نواتج السوبر نوفا المتحطمة وفق إكراهات قوانين الكون التي نجهلها تماما في تصورات ستيفن هوكينج (1942 - 2018) وهو من أبرز علماء الفيزياء النظرية وعلم الكون التي لا يشجع على عقلنتها بما يخص وجود إله يوجه الكون، هو يحاول طرح فكرة الله على أنها فكرة شبه عدمية، ولأن العالم في المستقبل سيلفظ أي معنى للحقيقة أو كما يطلق عليها جان مارك فيري في (فلسفة التواصل) بنقيضة الحقيقة، سواء النسبية أو النسبوية في قوله: أم كان علينا بالأحرى الاقرار بأن الحقيقة هي دائماً نسبية سواء بالنسبة للثقافات، اللغات، المجتمعات، أو حتى بالنسبة للأشخاص، وهي أي عدم لزوم إقرار إن ثمة حقيقة فينا، إذاً ما جدوى الحرية! ستكون الحرية من ثقافة ماضية أكل عليها وشرب عالم مورفي بنظريته الثانية: يستحيل تحصين أي أمر ضد الأغبياء لأن غباءهم مبدع، حينما يكتشف علم المستقبليات إن الاتجاه الاستعادي في نظرته لعلم الكون يحتم في أن تصيح أكثر الأخطاء علمانوية، التي كانت تمتلك تاريخاً مبالغاً فيه، هي ذاتها الحرية التي استطاعت خداع الإنسان قبل آلاف السنوات بقدرة فلسفتها على صنع عالم مرفه للإنسان ما قبل المستقبلي، يمكنها أن تحسب من سقط المتاع، سيتقدم مجتمع المعرفة بمعرفة جديدة، هي قديمة أصلاً سرّبها قانون ستيفن هوكينج من تضاريس كونه هو الذي يشبه قشرة جوز، أي الكون، مغلق، بل مغلق بالتمام لا يتولاه أي إله، يخبئ نقائض الحرية، أكذوبة صغار الآلهة في الميثولوجيات، في ثنايا مجتمعه المعرفي، ليبدو أن هناك فارقاً بين استعمال صيغة مجتمع المعرفة وحمولتها الدلالية، في عالم علم المستقبليات، حيث يمكننا التشكيك بكل شيء يمت للقيم المناطة بالمنجزات الكلاسيكية للإنسان ما قبل المستقبلي، إذ يذهب البعض إلى إن الحديث عن مجتمع المعرفة تقليدي، الذي كان يشوبه غموض كبير، حيث يتداخل فيه، أو تلتقي عنده مفاهيم معينة كمجتمع الميديا والمعلومات، والمجتمع الشبكي، وكما نعرف أن انطواء هذه المجتمعات على بالونات ملونة من الحريات بسعة التخيل، فعالم علم المستقبل سيحاول تشكيل نمط الكون، على شاكلة الكون السيميولوجي الذي ابتكره لوتمان، عبر حزمة تغيير في مصير الآلهة الصغيرة، بعودة قبضة الإله جوبتير أو الإله زيوس، حينذاك ستختفي الحرية أو تستبدل بنمط من المتغيرات، لا تصب بالضرورة بمعاكساتها من النقائض التي نتوقعها قادمة من تراث ماضي المعرفة القديمة، كالاستبداد، لا هذه فكرة سيركلها علم المستقبليات، حينما يكشف عن ساق (لا بأس من الاستعارة القرآنية الآن) يتمخض عالم يستغرب مرتادوه لو ذكرت كلمة حرية، فهي تعتبر من اختلاقات عالم غابر كان سائداً قبل ظهور المجتمعات المتخصصة التي تضع لمفهوم الكون المنغلق تعميماً قياسياً. أن نستأصل شأفة الحرية تعطي للمستقبل لوناً مختلفاً من خفة الصراعات القطبية، ربما بصعود سلطة (الله) من جديد بعد حقبة تراخي القبضة العلمانوية التي كانت تتبنى إن الحقيقة لا نقيضة لها، ستختفي فلسفة الحرية في اقتصاديات اسواق العمل التجاري المتخصصة بزيادة فلسفة النشوء الكوني من العدم في تأثير فلسفة ستيفن هوكينج التي تعتبر بداية جديدة في معرفة الكون الذي يشبه قشرة جوز.