جاذبيَّة التمثيل المسرحي

ثقافة 2023/04/29
...

  د. جبار خماط حسن


تتحقق إبداعيَّة فن الممثل ليس في اتقانه الفعل، بل في قدرته على ردّة الفعل، إذ كلما زادت غرابته وعدم توقعه، تحقق لدى الجمهور دهشة وتفعيل عاطفي يتماهى ويتصل عضويا مع أداء الممثل، وردة الفعل قد تعاكس الفعل أحيانا أو قد تتطابق معه، بحسب قدرة الممثل على انتاج الأداء الذي يمر بأربع مراحل: (الذاكرة/ التركيز/ الانتباه/ الخيال).

عناصر ذهنيّة أساسيّة تعمل بطاقة انتاجيّة قصوى، إلى درجة تدفع المتلقي، إلى عدم الاكتفاء من الطاقة الجماليّة للمشهد، وكأنّه يقول: هل من مزيد؟ مازلت لم أشبع عاطفيا من كمية الشحنات العاطفية - الجمالية التي يبثهما المرسل/ المؤدي نحو الاخر/ المتلقي، برسالة الاداء/ التي هي صنع التصديق!

- كيف يمكن أن تكون ممثلا ناجحا؟

- هل الجميع لهم القدرة على التمثيل؟

- إذا كنت ممثلا، ما الفرق لديك بين الواقع والمتخيل؟

- هل جسدك وصوتك هما لك ام تستعيرهما الشخصية المؤداة بحدود واتفاق المعالجة، التي قد تتطابق معها أم تفترق عنها؟

- هل الجمهور يريد أن يكون ممثلا، فاذا اتقن الممثل الاداء تفاعل معه، وإذا اخفق افترق عنه الجمهور؟

- لماذا يلتذ الممثل حين يكون على خشبة المسرح، ويشعر بالغربة مع انتهاء العرض أو توقفه؟!

- هل بالإمكان أن تكون ممثلا مبدعا؟ نعم 

راقب وتمعن العناصر الاربعة الاتية: الخيال، الذاكرة، الانتباه، والتركيز، أعمل على تطويرها في تمرين مستمر، تجد نفسك تمتلك حضورا وشعورا ادائيا لافتا! إذ لا يوجد ممثل يحقق نبوغا في الاداء، من دون وجود مخرج حاذق، في بنيته جينات ادائية غير معلنة، يتلقفها الممثل، ليكون الناتج ابداعا. لأن الاداء التمثيلي شراكة التصور والتخييل، مفتاحهما رؤية المخرج، حين تكون مفاتيحها متاحة لدى الممثل من دون التباس أو تشويش، يكون مناخ الاداء لدى الممثل في بحبوحة من العطاء الجمالي. 

الممثل المبدع له جاذبيته وهالة حضوره، تتوفر لدى الممثل، مع توفر ثلاث رسائل، ينتظرها الجمهور لكسر أفق توقعه الجاهز:

1 -  رسالة البصر

2 -  رسالة السمع 

3 -  رسالة الحركة 

متى أتقنها الممثل بأدوات ارساله الناضجة (الصوتية والجسمانية والذهنية) تكون التغذية الراجعة لدى الجمهور، اهتماما وتقديرا وتفاعلا. ولهذا قالوا من ضرورات الاداء التمثيلي التركيز الاتصالي ثلاثي الابعاد، أو ما اسماه شيخ الطريقة المسرحية (ستانسلافيسكي)، الدوائر الثلاث:

- الذات 

- الآخر 

- البيئة المسرحية 

وأول مثال على هذه الدوائر الثلاث التي تتطلب من الممثل تركيزا عاليا، مشهد قتل بولونيوس في مسرحية (هاملت) إذ نجد ثلاث دوائر تعمل باتصال متقن، حققها لنا (شكسبير) بنبوغ عال:

البعد الأول/ الذات - غضب هاملت 

البعد الثاني/ الآخر - لامبالاة الام 

البعد الثالث/ البيئة: بولونيوس خلف الستارة 

إذ نجد هاملت في انفعاله وعزمه على خنق والدته في سورة غضبه، انتبه لوجود حركة خلف الستارة (البيئة)، يقوم هاملت - مباشرة - بطعن من كان خلفها. هنا يتحقق التركيز الذهني - الحركي ثلاثي الابعاد، لذا ينبغي النظر إلى فن التمثيل بوصفه علما، متى اتقنه الممثل تحول إلى فن يحقق الدهشة والاثارة الجمالية لدى الجمهور. 

كثيرا ما نجد الاداء التمثيلي مسطحا، بحجة التلقائية والاسترخاء التي يجدها الكثيرون ضرورية للممثل، لأن الاسترخاء لدى الممثل ضروري لخلق حالة التوازن ما بين الصوت والجسد والحالة الذهنية، التي تتوجه نحو الشخصية الدرامية بانضباط عال، للوصول إلى اتقان مدهش في عميلة التحويل من ذات الممثل إلى الدور الذي يقوم بتقديمه مسرحيا. لكن ثمة فرق بين الاداء بعمقه الإنساني الذي يوفره الفهم العميق لدوافع الشخصية، وبين الاداء الفردي الذي لا يغادر حدود شخصية الممثل! ثمة فرق ما بين الاداء المؤثر وبين التسطيح المنفلت، الذي لا يمكث طويلا في وعي الجمهور!